ما الذي تسعى دولة الاحتلال لتحقيقه؟
أحمد محمد الحسبان
مع أن قيادة الكيان الصهيوني المحتل لم تفق بعد من الصدمة التي أصيبت بها، إلا أنها تواصل تنفيذ إجرامها بطرق لا يمكن وصفها بأنها حرب. فللحروب - كما يؤكد الخبراء العسكريون- أسس وضوابط، ولها أهداف معلنة، يجري الكشف عن بعض ما تحقق منها، أو أي من نتائجها.
فكل ما يمارسه الكيان هو التدمير للمواقع المدنية في قطاع غزة، لدرجة وصفتها تقارير إخبارية وأخرى لمحللين عسكريين أن الناطقين باسمها لم يكشفوا عن أي هدف يمكن وصفه بـ"العسكري". أو بعلاقته المباشرة بحركة حماس، أو بما حدث في غلاف غزة.
واللافت هنا، ما أكدته تلك التقارير أن الأهداف التي دمّرت وتم تحويلها إلى ركام كلها مدنية وتعود إلى أشخاص لا علاقة لهم بحركة حماس، وتشمل العديد من المنازل والعمارات والبنى التحتية يمتد بعضها على مساحة كيلومتر مربع تقريبا لكل هدف إضافة إلى المساجد والمدارس، حيث أتى القصف الذي تعرضت له عليها بشكل كامل وحولها إلى أكوام من الركام. ما يعني أنها تمارس سياسة الأرض المحروقة وأنها تسعى إلى تحقيق أهداف أخرى غير عملية الانتقام من حركة حماس.
وبالتوازي، فإن دولة الاحتلال تمارس ما اعتادت عليه في مثل تلك الأوضاع، إذ تحاول تجيير ما حدث إلى عمليات ابتزاز، بدأتها بحوارات نتياهو مع الرئيس الأميركي بايدن، الذي أغدق عليه بالمساعدات وقال إنها" في الطريق إلى تل أبيب".
والأخطر في ذلك كله ما كشف عنه نتنياهو من أنه أخذ الضوء الأخضر من بايدن والعديد من قيادات العالم بفعل أي شيء تحت ذريعة الحماية من حركة حماس. وتصريحات بايدن بأن نتنياهو سيكون مضطرا لفعل أشياء صعبة قال عنها نتنياهو لاحقا أنها ستغير وجه الشرق الأوسط.
كل ذلك، يضاف إلى الرسائل العسكرية التي يوجهها جيش الاحتلال في كل يوم، تقريبا، والتي تؤشر على قرب إطلاق عملية برية في قطاع غزة، وتتحدث عن التدمير الشامل، وتنصح سكان غزة بالرحيل إلى مصر، وسكان إسرائيل بالاستعداد لدخول الملاجئ وتوفير مستلزمات العيش فيها لمدة 72 ساعة، وما يتسرب من معلومات عن مخططات تستهدف المسجد الأقصى، وتمارس التحرش بإيران وجنوب لبنان، وتواصل استهداف الفلسطينيين في الضفة الغربية، ومعظمها مؤشرات على أن إسرائيل وقياداتها المتطرفة لن تترك هذه الفرصة، وأنها قد تعمل على استغلال الظروف لتحقيق بعض من مشاريعها العدوانية التي لم تكن لتخفيها في أي لحظة.
فمن غير المستبعد أن تكون إسرائيل تفكر في العمل على دفع سكان غزة بالهروب إلى مصر، أو أن تدرس تهجير فلسطينيين من الضفة الغربية إلى أي مكان، وتهجير العرب داخل المناطق المحتلة عام 1948 إلى الضفة الغربية، والتفكير بمشاريع تستهدف المسجد الأقصى، وأخرى قد تستهدف دول الجوار.
وفي سيناريوهات مجنونة لكنها غير مستبعدة أن تعيد احتلال الضفة الغربية، واحتلال قطاع غزة، وإنهاء السلطة الفلسطينية.
لكنها بذلك كله، أو بأي مغامرة من تلك المغامرات المجنونة ستكون قد عمقت الأزمة، وزادت من حدة النقمة الفلسطينية والعربية. وتكشف أنها لم تأخذ العبرة مما حدث، ولم تأخذ بالاعتبار أن ممارساتها ضد الفلسطينيين وأرضهم ومقدساتهم كانت السبب في الوصول إلى تلك الحالة، وأن من استطاع التخطيط والتنفيذ لعملية طوفان الأقصى التي أربكت جيشها وأكدت أنها قادرة على قهره قادر على فعل ما هو أكثر من ذلك. وأنها تكون قد حكمت بوأد عمليات التطبيع، كما حكمت على نفسها بأن تظل مرفوضة وأنها لن تعرف الأمن والاستقرار تحت قيادة التطرف والقتل والتدمير على رأس الحكومة هناك والتي ترى أن استمرار ذلك النهج كفيل بالحفاظ على المكاسب الشخصية لأعضائها.
وللتأكيد فقد جربت إسرائيل كل تلك الممارسات، حيث اضطرت إلى الانسحاب من قطاع غزة من طرف واحد، وجربت عمليات التدمير للعديد من الأبراج السكنية في القطاع، واعتقلت وقتلت الآلاف من المقاومين في الضفة الغربية والقطاع، وحاولت توسيع نطاق احتلالها عند دول الجوار، لكنها أخفقت في كل ذلك، ولم تفلح في الحد من بطولات المقاومة. وآخرها عملية طوفان الأقصى.
فكل المؤشرات تدل على أن الأيام المقبلة قد تكون عامرة بالمغامرات الإسرائيلية التي تنسجم مع الفكر المتطرف لحكومة نتنياهو بدعم أميركي مباشر وبصمت من قبل دول العالم بما في ذلك المحيط العربي.