لعنة «أكتوبر»!
رجا طلب
يبدو أن شهر اكتوبر سيتحول إلى لعنة تطارد الاحتلال وسكانه، ولا استبعد أن يُعلن حاخامات الاحتلال هذا الشهر، شهراً للأحزان واللطم، فبعد خمسين عاماً على حرب اكتوبر وانتصار الجيش المصري على جيش «موشي دايان»، وفي عز احتفالات مصر وبعض العرب بذكرى تلك الحرب المجيدة، يهبط اكتوبر من جديد حاملاً سخط السماء والأرض على هذا الكيان وشعبه في استحضار كامل لـ«اكتوبر المصري» كان من الصعب مجرد تخيله، غير أن المقاومة الفلسطينية أبت أن تمر الذكرى الخمسين لـ«أكتوبر» بدون أن تضع عليها بصمتها التاريخية وتحطم «عرش الوهم» الإسرائيلي?وتخلق واقعاً جديداً حُدد بدقة عنوانه (أن دولة الاحتلال ما هي إلا أكذوبة) ليس أكثر.
قبل أن تبدأ عملية «طوفان الأقصى» كنت قد بدأت بكتابة مقال للنشر هنا فى هذه الزاوية عن حرب أكتوبر المجيدة، وكانت النية أن القي الضوء على حجم الضعف الذي اعترى جيش الاحتلال في تلك الحرب، وذلك استناداً للجنة التحقيق التي تشكلت على إثر الهزيمة التي مني بها » الأسرائيليون» وأقصد لجنة «اجرانات» والتي ما زالت بعض من وثائقها غير مسموح نشرها وتصنف على أنها «سري للغاية» حتى أنها ممنوعة على كبار الشخصيات الأمنية والعسكرية والسياسية إلى يومنا هذا، والاضاءة التي كنت أنوي الكتابة عنها كانت تتعلق بشكل خاص بالكتاب الذي هز «?سرائيل» أي كتاب (حرب يوم الغفران، الواقع يحطم الأسطورة) الذي ألفه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «امان» (ايلي زعيرا) عام 1996 والذي حملته لجنة اجرانات مسؤولية الفشل العسكري في حرب اكتوبر، رغم أنه تولى منصبه هذا قبل أيام فقط من بدء الحرب، والذي أوحى في كتابه هذا أنه كان كبش فداء تمت التضحية به لحماية المستوى السياسي أي رئيسة الوزراء وقتذاك «غولدا مائير» ووزير الدفاع «موشي دايان»، وبحسب الكتاب فان زعيرا كان قد أبلغ المستوى السياسي بتقديرات تفيد أن هناك احتمالاً قوياً في أن تقع الحرب في شهر إبريل/?يسان من عام 1973 ويجب الاستعداد لذلك.
الكتاب مكون من 351 صفحة وقاربت على الانتهاء منه، وأنصح كل من يريد معرفة واقع دولة الاحتلال الحقيقي أن يقرأ هذا الكتاب ليطلع على مدى الضعف البنيوي في المجال العسكري والأمني - الاستخباري للاحتلال.
من الواضح أن المقاومة الفلسطينية استحضرت روح «اكتوبر» المصرية وطبقت أهم عاملين في تلك الحرب ألا وهما:
عنصر الخداع الاستراتيجي وهي خطة مصرية محكمة جعلت جيش العدو واستخباراته والموساد على قناعة تامة أنه لا توجد لدى الجيش المصري أي نية للحرب.
أما العنصر الثاني فقد كان المباغتة أو المفاجأة حيث كان قرار شن الحرب بحد ذاته شيء لا يصدق حيث كان قرار بدء شن الحرب في تمام الساعة الثانية «في عز الظهر» وفي اجواء صيفية مشمسة.
حرب «طوفان الاقصى» التي أعلنتها المقاومة في غزة طبقت العاملين بدقة وتمكنت من تحقيق الاختراق الثاني في الصراع مع الاحتلال بعد «اكتوبر» المصرية، وأعتقد جازماً أن ما قبل هذه الحرب لن يكون كما بعدها، واليوم التالي لها سيكون صعباً للغاية على الحكومة اليمينية والتي تصنف الأكثر تطرفاً في تاريخ دولة الاحتلال.
عندما كتبت هذا المقال ظهر يوم السبت أي بعد ساعات من بدء حرب «طوفان الاقصى» كان الاحتلال بكل مستوياته يعاني من سكرات المفاجأة وهول الأحداث، وتبادر إلى ذهني فوراً على من سترمي هذه الحكومة الفاشية مسؤولية هذا الاختراق وهذه الهزيمة المعنوية القاسية؟
وما النتائج التي سترتد على هذا المجتمع الذي يعاني أساسًا من حالة انقسام حاد بين المجتمع الحريدي المتدين والمجتمع الاشكنازي العلماني بسبب ما سمى بـ «التعديلات القضائية»؟.
لن تجد حكومة الاحتلال رداً أسهل من التدمير والاغتيالات والقتل، فالانتقام وتحديداً لدى حكومة مثل هذه الحكومة هي مسالة مطلوبة بحد ذاتها لإشباع غريزة القتل والانتقام المتغلغل في عقيدة من يعتقدون أنهم «شعب الله المختار»، وأنهم أصحاب الجيش الذي لا يقهر «والذين يسمون غير اليهود «بالاغيار» أو بالعبري «جوييم» والذين تحلل التوراة قتلهم أو أن يقبلوا بأن يكونوا عبيداً عند اليهود.
سوف يسجل التاريخ أن شهر اكتوبر هو شهر مبارك للعرب والمسلمين ولكل أحرار العالم، وسيسجل التاريخ أن فاسداً مثل نتنياهو سيضاف اسمه إلى اسمي غولدا مائير وموشي دايان اللذين استقالا بعد فشلهما الفاضح في حرب اكتوبر عام 1973.