بالنسبة للوضع الراهن الذي لم يعد راهنا

مالك العثامنة

"..لا تسمحوا لسياسييكم بأن يضعوا أمنكم في أشداق الخطر من خلال الخيارات العمياء الخالية من التفكير السليم والتي تمعن في عزلكم"
هذه عبارة موجهة للإسرائيليين، وتاريخها في عام 2010، ومن أطلق هذا التحذير الجاد هو الملك عبدالله الثاني وقد أورده حينها في سيرته الذاتية التي صدرت ككتاب يحمل عنوان ( فرصتنا الأخيرة: السعي نحو السلام في زمن الخطر).

وفي ذات الفصل الذي يطلق فيه الملك تحذيراته يقول أيضا: ".. إن أمام إسرائيل الخيار الواضح: هل تريد أن تبقى قلعة معزولة تطل بحذر وخوف من وراء الحصون على جيران لا يزيدهم الزمن إلا عدائية وعدوانية، أم هي مستعدة لقبول يد السلام الممتدة إليها من كل الدول الإسلامية السبع والخمسين بحيث تندمج نهائيا بمنطقتها وجوارها، مقبولة وقابلة ؟"
كان بنيامين نتنياهو حينها رئيسا لحكومة إسرائيل!
والحقيقة أن المزاج العام الإسرائيلي لم يتأثر كثيرا منذ 2010 لنصيحة الملك عبدالله الثاني، فبقي منحازا لليمين وبتواصل مستمر، ورغم أن الملك كان أراد توظيفا ثقافيا منتقى بعناية في الخطاب، مستخدما وصف "القلعة المعزولة" في مخاطبته العقل الجمعي الإسرائيلي المشبع بالروايات التوراتية المليئة بالقلاع والموجع بفكرة الانتحار الجماعي لقلعة مسادا الشهيرة، فإن الإسرائيليين ظلوا على انزياحهم نحو اليمين المتطرف بخيارات عمياء كما وصفها الملك في تحذيره قبل عقد وثلاثة أعوام، لننتهي اليوم بنتنياهو من جديد رئيسا لحكومة أكثر تطرفا، فيها مجموعة جديدة من الشباب المتطرف دينيا "وقوميا" بذهنية إقصائية بلا شك ستزيد من عزلة إسرائيل، وما فيها من حالة "توحد" مرتبطة بجنوح السياسيين الجدد الذين يقودونها نحو التطرف والغطرسة والإقصائية العمياء.

ولا يخفى على أحد أن العلاقة بين نتنياهو والملك الأردني ليست طيبة ودوما هي مليئة بالشكوك والحذر الذي يحمله الأردن تجاه نتنياهو تاريخيا، وهو إرث ثقيل من الخيبات بهذا السياسي الماكر منذ عهد الملك الراحل حسين بن طلال.
حسنا.
اليوم حدث ما حدث من مدهشات تكاد تصل إلى العجائب في الهجوم على إسرائيل من الداخل الذي يقع تحت احتلالها وحصارها.
وحين يكون المزاج العام الإسرائيلي يمينيا راديكاليا متطرفا من خلال حكومة يمينية هي الأكثر تشددا في تاريخها منذ قيامها عام 1948، فإنك لن تتوقع في الطرف المقابل من الصراع أن يكون حمائم سلام وادعة، هذا التطرف اليميني الإسرائيلي هو الذي أنتج القهر واليأس والإحباط والعدمية خصوصا في غزة ( وإلى حد كبير في الضفة الغربية).
هو صراع لم يتوقف رغم كل اتفاقيات السلام، والصراع ليس حالة حرب بالضرورة، وبالتأكيد لن يتضمن شعورا بحالة سلام، لكنه شعور بالعداء لا يزول إلا بزوال الشكوك، ولا يتلاشى إلا بنوافذ أمل تفرض بدائل حقيقية تحل محل الصراع نفسه.

اليوم، تعرض المزاج اليميني الإسرائيلي إلى صدمة حقيقية قد تثبت له خطاياه في كل انزياحاته ومنتجاته وعلى رأسها هذا اليمين المتطرف الذي سلمه قيادة الحكومة.

واليوم كذلك، فإن المعادلات الإقليمية التي تم تأسيسها على قوة اليمين الإسرائيلي عليها أن تفكك قواعدها وتعيد بناء الرؤية من جديد. 

وهذا الجديد.. سيظهر تباعا ولا يمكن الآن تحديد ملامحه على مستوى إقليمي، لكن يمكن التأكيد أنه جديد مختلف عن الوضع الراهن والمؤمنين به، فالوضع لم يعد راهنا بالمطلق.