دراسة تبشر بعلاجات مستقبلية للتوحد

خطا باحثون من جامعة ستانفورد الأمريكية خطوات كبيرة في فهم الأسس الجينية للتوحد، باستخدام التقنيات المخبرية المتقدمة لمحاكاة نمو الدماغ، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.

العلماء تمكنوا من تحديد العشرات من الجينات التي تتداخل مع العمليات الحيوية، ما قد يسهم في اضطرابات طيف التوحد التي تؤثر على واحد تقريبًا من كل 36 أمريكيًا.

وأشارت نتائج هذا البحث، الذي نُشر في مجلة "نيتشر" العلمية البريطانية، إلى أن التوحد يرتبط بصعوبات في التواصل والتفاعل الاجتماعي، حيث امتد هذا البحث لعقد من العمل، وهو لا يلقي الضوء على العوامل الوراثية المرتبطة بالتوحد فحسب، بل يوفر أيضًا الأمل في علاجات مستقبلية يمكن أن تسهل نمو الدماغ الطبيعي.

 

نظرية عمرها 20 عامًا
ويتعمق البحث في نظرية عمرها 20 عامًا تشير إلى أن عدم التوازن بين نوعين من الخلايا العصبية في القشرة الدماغية، وهي المنطقة المسؤولة عن وظائف الدماغ ذات المستوى الأعلى، مثل التفكير والعاطفة واللغة، قد يسهم في التوحد.

وتثير بعض الخلايا العصبية خلايا أخرى، بينما تمنع العصبونات البينية نشاطها، حيث إن الكثير من الإثارة يمكن أن يؤدي إلى قلة التركيز وحتى الصرع، وهذا أكثر شيوعًا بين الأفراد المصابين بالتوحد.

ويهدف البحث، الذي قاده سيرجيو باسكا، أستاذ الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة ستانفورد، إلى تحديد الجينات التي تعطل توليد وهجرة الخلايا العصبية البينية، مع التركيز بشكل خاص على تلك المرتبطة بالتوحد.

واستخدمت الدراسة نهجًا مبتكرًا لتقييم 425 جينًا مرتبطًا باضطرابات النمو العصبي. وبدلاً من العملية الشاقة المتمثلة في إزالة كل جين على حدة، قام الباحثون باختبار جميع الجينات الـ 425 في وقت واحد باستخدام تقنية متخصصة قاموا بتطويرها، وصمموا الخلايا لإصدار وهج أخضر عندما يتم تنشيط الخلايا العصبية المثبطة، واستخدموا نظام تحرير الجينات "كريسبر" لإنشاء خلايا تفتقر إلى كل من الجينات الـ 425.

وبحسب الصحيفة، يتم ترتيب هذه الخلايا لتقليد هياكل ووظائف القشرة الدماغية والقشرة الدماغية في الدماغ، موضحة أن وضعها على مقربة من بعضها يسمح للخلايا بالاندماج وتكرار الهجرة الطبيعية للخلايا العصبية البينية من الطبقة الفرعية إلى القشرة الدماغية، كما لوحظ في الأدمغة الحية.

وبمجرد هجرة العصبونات البينية، قام العلماء بتحليل الملامح الجينية للخلايا لتحديد الجينات المسؤولة عن الفشل في توليد العصبونات البينية وهجرتها.

 

نتائج مذهلة
نتائج البحث جاءت مذهلة، حيث حدد 13 جينًا تمنع تكوين العصبونات البينية و33 جينًا أعاقت رحلتها إلى القشرة الدماغية.

في المجمل، يبدو أن 46 جينًا تشكل 11% من الجينات المرتبطة باضطرابات النمو العصبي، تؤثر على الخلايا العصبية المثبطة، ما يؤدي إلى خلل في التوازن.

يشار إلى أن أحد الجينات المهمة لهجرة العصبونات الداخلية، وهو "LNPK"، تم ربطه سابقًا باضطرابات النوبات، ما يدعم فكرة أن النوبات يمكن أن تنجم عن خلل في التوازن بين الإثارة والتثبيط.

ويمثل هذا البحث تقدمًا كبيرًا في أبحاث التوحد من خلال توفير فهم أعمق للبناء الأساسي لنمو الدماغ.

والتوحد عبارة عن مجموعة معقدة من الاضطرابات ذات الأسباب المحتملة المتعددة. وهذه الدراسة توفر وسيلة واعدة للعلاجات المستقبلية المصممة خصيصًا للملفات الوراثية الفردية.

ومع ذلك، يحذر الخبراء من اعتبار التوحد مرضًا واحدًا، مؤكدين أنه يشمل مجموعة متنوعة من الاضطرابات، وأن هناك عوامل أخرى، مثل العيوب في الخلايا الدبقية الصغيرة، والخلايا التي تنظم نمو الدماغ، وإصلاح الإصابات، وشبكات معالجة المعلومات، تسهم أيضًا في الإصابة بالتوحد.

بالإضافة إلى ذلك، فإن دور علم الوراثة هو مجرد قطعة واحدة من اللغز، حيث من المحتمل أن تلعب العوامل البيئية والتفاعلات المعقدة دورًا مهمًا في تطور اضطرابات طيف التوحد.

 

تحديات أوسع
ويسلط الباحثون الضوء أيضًا على الحاجة إلى معالجة التحديات الأوسع التي يواجهها الأفراد المصابون بالتوحد وأسرهم، بما يتجاوز التركيز فقط على الأبحاث الجينية.

يشار إلى أن الخدمات وأنظمة الدعم للبالغين المصابين بالتوحد غالبا ما تكون غير كافية أو غير موجودة، ما يؤدي إلى ما يسمى "هاوية خدمات التوحد" عندما لا يعود بإمكان الأفراد الالتحاق بالمدارس العامة.

وتؤكد هذه القضية أهمية ليس فقط لفهم الأساس البيولوجي للتوحد، ولكن أيضًا لمعالجة التحديات العملية والمستمرة التي يواجهها الأشخاص ضمن طيف التوحد.

وتمثل دراسة جامعة "ستانفورد" خطوة مهمة إلى الأمام في فهمنا للعوامل الوراثية التي تساهم في التوحد، فعلى الرغم من أنها لا تقدم تفسيرًا كاملاً لمجموعة اضطرابات التوحد، فإنها توفر أساسًا قيمًا للأبحاث المستقبلية والعلاجات المحتملة.

ومع ذلك، فإن تعقيد التوحد يتطلب اتباع نهج متعدد الأوجه يشمل كلا من البحوث الجينية وأنظمة الدعم الشاملة للأفراد والأسر المتضررة من التوحد.