ملتقى الأسئلة المطروحة بحثا عن أجوبة غير منجزة
علاقتي مع مركز حماية وحرية الصحفيين تعود إلى بدايات تأسيسه عام 1998، وقد كان المركز حينها بكل نشاطاته الطموحة يقع في المساحة الخلفية لمكاتب جريدة الحدث الأسبوعية، وارتبط المركز بمؤسسه "الرئيس" وناشر الحدث الزميل نضال منصور منذ ذلك الوقت.
عملية الفصل بين أهم مؤسسي المركز والمركز نفسه صعبة، لكنها ضرورية حتى لا نقع في مساحة تقييم تحت ظلال المزاج الشخصي، والمركز الذي كان نضال يقف خلفه منذ اليوم الأول حتى يومنا هذا كان فيه فريق متعدد من الأسماء والشخصيات التي ساهمت في تعظيمه وخلق هذا التراكم المدهش من الإنجازات فيه حتى وصل إلى أن يكون منظمة إقليمية بمساحات دولية واسعة.
تلك العلاقة "العضوية" بين المركز ومؤسسه الرئيس، ألقت أيضا بظلالها الثقيلة أحيانا على المركز نفسه، والمفارقة أن تلك العلاقة "العضوية" نفسها كانت مخرج النجاة للمركز من ضربات ثقيلة "ومتوقعة" في سياق صراع سياسي دائم ولا ينتهي في مجال حرية الإعلام والصحافة.
تخصص المركز في قضية واحدة كانت سبب نجاحه المستمر، وحين توسعت "دائرة الفرجار" كاد أن يقع في أفخاخ هذا التوسع لكنه عاد مؤخرا إلى قضيته الأساسية، حرية الصحفيين والصحافة.
في السابع عشر حتى التاسع عشر من سبتمبر الحالي، نظم المركز "بعد غياب لأسباب ملتبسة" ملتقى إقليميا ودوليا تحت عنوان "مستقبل الإعلام والاتصال".
قبل عشر سنوات من اليوم، كان استخدام مفردة "الاتصال" غريبا إلى حد كبير، لكن الثورة التكنولوجية في الاتصال غيرت من مفاهيم التواصل العميقة بين البشر، مما كان له أثره على مفهوم الإعلام نفسه، وهو في أساسه تواصل واتصال، مما يجعل الكلمة اليوم حاضرة كرديف حيوي حتى في المسميات الرسمية.
عنوان الملتقى الذي نجح المركز لا بجهود فريقه العامل اليوم، بل بتراكمية جهود فرقه التي خدمت فيه وخدمته منذ تأسيسه بترسيخ نجاحه الأخير، يقوم على عبارة تحمل في طياتها سؤالا مفاده: ما هو مستقبل الإعلام؟
وهذا سؤال مشروع ومستحق البحث عن إجابات عنه وفيه، وقد كان الملتقى الأخير نفسه يحمل في أدواته بعضا من تلك الإجابات وقد وظف أدوات التواصل التكنولوجية في خدمة عقد اللقاءات المكثفة بين الحاضرين داخل مكان الملتقى وخارجه بل خارج حدود الأردن.
أراد الملتقى– كما فهمت– أن يثير الأسئلة لا أن يدعي الإجابة عليها، فالإجابات لا تزال قيد البحث عنها في خضم تسارع لا يتوقف في تقنيات التواصل والمعرفة، ولا يمكن لأحد أن يضمن اليوم أن الأجهزة الذكية التي نحملها في راحات أيدينا الآن ستكون هي ذاتها بعد سنوات قليلة، في سياق تطور تقنيات الذكاء الصنعي، والجيل الخامس الذي يحمل في نهاياته امتدادا لجيل سادس يطل برأسه على مسافات قريبة من حاضرنا.
أخطر ما يقدمه الملتقى من حقائق تغيرت بعد أن دخلنا حقبة "التواصل الاجتماعي الرقمي" أن الإعلام لم يعد قابلا للاحتكار، والدول بمفهومها التقليدي تكاد تفقد السيطرة على المحتوى عموما، وقد صارت المنصات مفتوحة لأي إنسان في فضاء افتراضي مفتوح ولا متناه ويتغلغل في الواقع.
هذا المعطى الجديد في تاريخنا الإنساني له آثاره في العلاقات الإنسانية خصوصا أن هذا الفضاء يحمل كل ما يمكن تخيله من محتويات تأزيم كما يحمل محتويات حل أزمات في فوضى لم تجد آفاق حلول تنظيمية لها.
الملتقى استطاع حقا أن يطرح الأسئلة، ويتركها معلقة على كل فضاءاتنا لنبحث عن أجوبة ونتخيل، قدر استطاعتنا، تلك الحلول وذلك القادم في تواصلنا الإنساني.