في وقت لا تزال فيه ظلال فيروس كورونا الذي أودى بحياة نحو 7 ملايين شخص وأثر على صحة أكثر من 765 مليون آخرين، تخيم على العالم، ليطل من بعيد شبح فيروس جديد/قديم، وتحديدا من الهند، اسمه "نيباه"، أجبر سلطات هذا البلد على اتخاذ إجراءات استعجالية لاحتواء انتشاره.
ويعود أصل اسمه إلى القرية التي اكتشف بها الفيروس لأول مرة في ماليزيا في 1999، حيث أصيب به مربو الخنازير بالمنطقة. وينتقل الفيروس مباشرة إلى الإنسان من الحيوان وخاصة الخفافيش الآكلة للفواكه أو من الخنازير عبر اللعاب أو البول، وأيضا من الإنسان إلى الإنسان عبر الاختلاط القريب أو عبر المواد الغذائية الملوثة.
وفي تفسيرها لهذا الوباء، توضح منظمة الصحة الدولية أنه: "مرض ناشئ حيواني المصدر، ينتشر في إقليمي جنوب شرق آسيا وغرب المحيط الهادئ، حيث تنتشر على نطاق واسع خفافيش الفاكهة من فصيلة الثعالب الطائرة، التي تمثل المضيف الطبيعي للفيروس".
خطورة الفيروس؟
وخطورة الفيروس تتجلى في شراسته بحكم أنه يمكن أن يقتل المصاب بنسبة تتراوح بين 40 حتى 75 بالمئة. وأدرجته منظمة الصحة الدولية ضمن قائمة الفيروسات التي تحتاج إلى المزيد من البحث العلمي بسبب إمكانية انتشاره بسرعة والتسبب في وباء عالمي على غرار فيروس كورونا.
وللفيروس رصيد في حصد الأرواح، ففي 1999، عام ظهوره، أدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص في ماليزيا والقضاء على مليون خنزير لاحتواء الوباء، الذي انتقل وقتها إلى سنغافورة موديا بحياة 11 شخصا. وفي 2001، سجلت بنغلادش والهند أولى الإصابات بالفيروس. وكانت بنغلادش الأكثر تضررا من الفيروس الذي قتل فيها أكثر من 100 شخص. فيما قتل أكثر من 50 شخصا في الهند التي ضربها الوباء في 2018 أيضا.
ظهور جديد للفيروس وسقوط أولى المصابين
ومنذ أغسطس/آب عاد الفيروس للظهور بالهند وأدى حتى الآن إلى مقتل شخصين حسب الأرقام الرسمية.
وكان مسؤول من وزارة الصحة في ولاية كيرالا جنوب الهند، قال إن شخصا بالغا وطفلا مصابان بالمرض لا يزالان في المستشفى، وخضع ما يزيد عن 130 شخصا لفحوصات الفيروس، فيما أعلنت السلطات مناطق عزل في سبع قرى في مدينة كوزيكود بالإضافة إلى إغلاق مدارس وبنوك وهيئات أخرى. وهذا هو رابع تفش لفيروس "نيباه" في كيرالا منذ 2018 التي توفي خلالها 21 من 23 مصابا.
وتفيد تقارير إعلامية أن الظهور الحقيقي لهذا النوع من الأوبئة لا يعود إلى بضعة سنوات فقط، وإنما هي موجودة منذ آلاف السنين خاصة لدى الحيوان، لكن تطور وسائل النقل الدولي في العقود الأخيرة، ساهم بشكل كبير في انتشارها عبر العالم.
ما الذي يُعرف عن هذا الفيروس حتى الآن؟
هو فيروس حيواني في الأصل، لكن يمكن أن ينتقل إلى الإنسان. وهو موجود عند الخفافيش والخنازير أيضا والأشخاص الذين لهم احتكاك بهذه الحيوانات معرضون للإصابة. ويمكنه أن ينتقل من إنسان إلى آخر عن طريق الاختلاط مع المريض دون أخذ الاحتياطات اللازمة. وكمثال، كان هناك مشفى به مرضى بالفيروس، فأصيب أطباء وممرضون كانوا يعالجونهم وحتى زائرين.
ما هي أعراض الإصابة بهذا الفيروس؟
عند الإصابة بالفيروس، قد تظهر أعراض وقد لا تظهر أيضا. والأعراض تشبه تلك التي يشتكي منها المصاب بالأنفلونزا الموسمية. ترتفع درجة حرارة جسم المريض، يصاب بصداع في الرأس، آلام في العضلات والبلعوم، ومن ثم يمكن أن يسبب قصورا في التنفس وقد يتعرض المصاب لالتهاب في الدماغ والسحايا، ما يعرضه للغيبوبة التي قد تتطور إلى وفاة. وبالمجمل نسبة وفاة المصابين بالفيروس بين 40 و75 بالمئة.
هل هناك علاج لهذا الفيروس؟
للأسف ليس هناك علاج واضح، لكن إذا تمت رعاية المريض مبكرا وبشكل مكثف يمكن أن يشفى، وذلك بالتصدي لكل الحالات العرضية كتخفيض درجة حرارة المصاب، وإعطائه طعاما جيدا. وهذا الفيروس يحتضنه الجسم من 4 حتى 14 يوما وقد تصل المدة إلى 45 يوما في بعض الحالات قبل ظهور أولى الأعراض. وبذلك، التشخيص ليس سهلا، إلا إذا عرف الشخص أن مكان تواجده موبوء. ويعتمد الأطباء في تشخيصه الفحص المصلي أو "بي سي آر" الذي يبقى الأفضل بحكم أنه الأسرع.
كيف يمكن الحماية منه؟
تجنب الأمكنة التي يوجد بها الفيروس وعدم الاحتكاك بالمصابين. وبما أنه ينتقل عن طريق الطعام خاصة الفواكه التي تأكلها الخفافيش، يجب إذن غسلها جيدا قبل تناولها. الحذر من الأماكن التي يتم فيها تربية الخنازير، وإن كان هناك شك في طبيعة صحة هذه الحيوانات، يجب القضاء عليها للأسف. وفي المشفى يجب دائما غسل اليدين بعد لمس حاجيات المريض.
هل ينتقل هذا الفيروس يوما إلى دول عربية؟
هناك احتمال ضئيل أنه ينتقل إلى دول عربية بسبب البعد الجغرافي لهذه البلدان مع المناطق الموبوءة. لكن يمكن أن ينتقل المرض عن طريق شخص لا تظهر عليه أعراض. وحتى الآن، يبدو لي أنه لم يحصل ذلك. فالخطر ضئيل ولا يجب أن نعطي أهمية كبيرة لهذا الموضوع، لأنه من المفترض ألا يحصل انتقال للعدوى نحو هذه الدول. فكل البلدان التي أصابها الفيروس تتواجد في نفس المنطقة، ويتم عادة احتواء الفيروس قبل انتشاره.
إذا، لا يمكن أن ينتشر عالميا كما حصل مع فيروس كورونا؟
احتمال ضعيف أن يحدث ذلك. كوفيد-19 انتشر بشكل واسع لأنه ينتقل بسرعة عن طريق الرذاذ والقطيرات التي من الممكن أن تنتشر من المريض في الهواء بعد السعال والعطس بينما فيروس "نيباه" ينتقل عن طريق التماس والاحتكاك واستهلاك الفواكه الملوثة. لكنه أخطر بكثير من فيروس كورونا.
هل يوجد لقاح ضد هذا الفيروس في الوقت الحالي؟
لا يوجد لقاح ضده حتى اليوم، لذلك تبذل منظمة الصحة العالمية جهودا بهذا الصدد، إذ أدرجته ضمن قائمة الأمراض التي توليها أهمية خاصة في البحث العلمي.