30 عاما بعد أوسلو: "الاحتلال في كل مكان"..!
يقول مواطن فلسطيني من المجتمعات التي يقوم الجيش والمستوطنون بمطاردتها وترحيلها من مكان إلى آخر منذ 1948 في فلسطين المحتلة: ماذا يمكننا أن نفعل؟ إنهم يريدون المنطقة (ج) لإسرائيل، ويحققون السيطرة على الأرض بواسطة المستوطنين، وإنما بلا حرب. ولكن إلى أين نذهب؟ الاحتلال في كل مكان».
تلخص هذه العبارات وضع فلسطين بعد 30 عامًا من توقيع اتفاقات أوسلو وتكوين السلطة الفلسطينية. لم يتحقق أي شكل من أشكال الاستقلال أو الدولة. لم يتحرر الفلسطينيون وإنما أصبحوا تحت حكم سلطة مزدوجة. لم يتوقف القتل والأسر والإذلال والحصار – والفقر. ببساطة، الاحتلال في كل مكان بكل ما ينطوي عليه من اللاطبيعية؛ كان كذلك قبل «أوسلو»، وهو كذلك بعد ثلاثة عقود من «أوسلو».
في الحقيقة، ليس الاحتلال قبل «أوسلو» مثلما هو بعدها بالضبط. في السابق، كانت الصورة العامة في العالم هي وجود احتلال غير مشروع –على الأقل في المناطق التي احتلت في العام 1967، نقطة. وبعدها أصبحت الصورة الخادعة هي وجود «دولتين»، وربما «ثلاث دول». ثمة أرض تسيطر عليها وتحكمها، نظريًا، «السلطة الفلسطينية» في الضفة الغربية – من دون انتباه إلى تقسيمات (أ) و(ب) و(ج)- وتصدر فيها جوازات سفر، ولديها أوراق مروسة لدوائر ووزارات وأجهزة. وثمة «دولة» في غزة تحكمها «حماس». وثمة دولة تصر على أنها «يهودية» في فلسطين 1948، أصبحت مستقرة ومعترفًا بها، خاصة بعد أن اعترفت بها «منظمة التحرير الفلسطينية»، مفرطة بحق فلسطينيي 1948 في عرض قضيتهم كقضية تحرر من استعمار غير مشروع. وأصبحت هناك، في الصورة الشائعة، «حروب» بين هذه «الدول» التي تبدو وأنها متساوية في القوة، والإرادة، والشخصية الاعتبارية.
بعد «أوسلو»، يعيش في المنطقة (ج) التي تمثل 60 في المائة من الضفة الغربية، حوالي 385.900 مستعمِر، أي أكثر من نحو 300.000 فلسطيني يعيشون هناك تحت التنكيل والترحيل. وحسب الكاتب ديفيد هيرست: «في الفترة منذ أوسلو، زاد عدد المستوطنين في الضفة الغربية أربعة أضعاف، مرتفعاً من 115.000 إلى 485.000، باستثناء القدس الشرقية. واختفى تمامًا حق العودة كمطلب فلسطيني». والضم الفعلي الزاحف والاستيطان مستمران بلا توقف على طريقة «شرائح السلامي» تحت ستار دخان «أوسلو».
يكتب هيرست: «كان اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل في العام 1993 كارثة على القضية الوطنية الفلسطينية. مع ’أوسلو‘، لا يمكن أبدًا أن تكون هناك حكومة وحدة وطنية تتألف من ممثلين عن جميع الفصائل الفلسطينية. كما لا يمكن أن تُجرى مفاوضات مناسب، لأن فصيلاً فلسطينيًا واحدًا فقط هو الذي لديه مقعد على الطاولة. أما بالنسبة لإسرائيل، فالعكس هو الصحيح. فقد ارتفع عدد الدول التي تعترف بإسرائيل من 110 دول في العام 1993 إلى 166 دولة اليوم. وهذا يمثل 88 في المائة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة».
وما هي «السلطة الفلسطينية» التي يفترض أنها أصبحت بديلًا عن الاحتلال بعد «أوسلو»؟
تكتب ناعومي نيومان، زميلة «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، الموالي للكيان: «لعبت إسرائيل دورها الخاص في إضعاف (محمود) عباس والسلطة الفلسطينية، جزئياً من خلال تجنيدهم كـ’مقاولين من الباطن‘ لمكافحة الإرهاب (وصف العدو للمقاومة الفلسطينية)، في أجزاء من الضفة الغربية، مما قوّض شرعية السلطة الفلسطينية لدى السكان المحليين».
وتضيف: «في الضفة الغربية، لا ينبع ضعف السلطة الفلسطينية من العرقلة الإسرائيلية وغياب الآفاق السياسية فحسب، بل من الإخفاقات الداخلية المتعددة أيضاً، بما في ذلك الركود السياسي، وسوء الحكم، والفساد المستشري، والنفور من النقد الذاتي، وعدم كفاية الخدمات العامة، وتضييق دائرة مستشاري عباس، الأمر الذي أدى إلى تهميش أفضل العقول السياسية الفلسطينية. وهكذا تصاعد السخط في ’الشارع‘ الفلسطيني وفي صفوف حركة ’فتح‘ التي تشكل العمود الفقري للسلطة الفلسطينية».
من المفارقات أن يتحقق هذا الإجماع على تشخيص وظيفة وحالة السلطة الفلسطينية بين مصدر موال للكيان والمراقبين العرب والفلسطينيين. لكن الاختلاف يحدث في العلاج. في جهة العدو، يؤكدون على أهمية وجود «السلطة» ويدعمون مطلبهم بالحفاظ عليها بسرد فوائدها للكيان. وفي جهة الفلسطينيين والعرب المخلصين والمفكرين الإنسانيين –حتى من اليهود، يتم سرد فوائدها للكيان وإضرارها بفلسطين للمطالبة بحلها ومحاولة نقض «منجزاتها» وإعادة كلفة الاحتلال إلى صاحبه، بحقيقته ولا قانونيته دوليًا.
يكتب ديفيد هيرست: «لقد تعلم الناس الذين لم يكونوا قد وُلدوا بعد في العام 1993 أن أوسلو لن تحررهم. وهم ينخرطون الآن في مقاومة مباشرة وهم يعرفون تمام المعرفة أنهم تعرضوا للخيانة من قبل القيادة التي قادتهم إلى ’أوسلو‘ ومن المجتمع الدولي».
مع ذلك، هناك الذين يتشبثون بـ»أوسلو»، حتى مع أن وعدها السرابي لم يتحقق حسب الجدول الزمني، وهو ما كان ينبغي أن ينقض الاتفاق جملة وتفصيلًا، مثل أي اتفاق لا يفي أحد طرفيه بالتزاماته. والسبب: المكاسب الشخصية والامتيازات التي حولت أناسًا ينبغي أن يكونوا ثوارًا يقظين في المعسكرات ورؤوس الجبال والكهوف إلى سكان قصور وأصحاب أموال وشركات، لهم حراس ومرافقات وبروتوكولات. وللأسف، هناك آلاف – فقط من بين ملايين الفلسطينيين في الوطن والمنفى- يكسبون رزقم من بنية «أوسلو» ويدافعون عنها لذلك –حتى لو كان عملهم «التنسيق الأمني» مع العدو لحماية مستعمريه وإحباط المقاومة الوطنية الفلسطينية. ويعرف هؤلاء وهؤلاء أنهم يعيشون – مهما تظاهروا بغير ذلك، تحت الاحتلال المهين الذي في كل مكان في فلسطين التاريخية.