قوانين رادعة لإعادة تشكيل المجتمع

 

‏حسين الرّواشدة 

‏هل صحيح أننا أمام "أردن جديد "، بدأ يتشكل منذ أن دخلت الدولة مئويتها الثانية؟  الإجابة ، بتقديري، نعم ، أما العنوان الذي  استند عليه هذا التغيير ، فهو "القانون "، حدث ذلك في مسارين ،الأول : ترسيم وظيفة الدولة وأدوارها وعلاقتها مع المجتمع،  الثاني: ضبط حركة المجتمع ، وإعادة تشكيل ثقافته ، الدليل هو ما صدر من منظومة تشريعات غير مسبوقة على امتداد  عام تقريبا ، بدأت بتعديل الدستور ، ثم قانون الأحزاب والانتخاب، وصولا إلى منتجات الدورة البرلمانية الاخيرة : قانون الجرائم الإلكترونية ،والسير، والبيانات الشخصية ،إضافة لقرار تخفيض مقاعد الطب بالجامعات.. وغيرها.

‏سأتجاوز ، عمدا، تشريعات منظومة التحديث السياسي والاقتصادي والإداري ، لأنها تحتاج إلى تفاصيل لا يتسع المقام لذكرها ، أشير -فقط- الى التشريعات التي تتعلق بإعادة تشكيل المجتمع، ( مع ملاحظة ان ما سأذكره هو من زاوية الفهم لا الحكم) ،  ذلك أن من حق الأردنيين أن يفهموا:  لماذا صدرت هذه التشريعات التي انحازت بشكل عام إلى القسوة في العقوبات ، واتخذت جانب الردع والتخويف ، هل كان المقصود منها الجباية أم الحماية؟  بناء ثقافة جديدة تتناسب مع منظومة التحديث،  أم فرض السيطرة على المجتمع وتطويعه، أم تهيئته لمستجدات قادمة؟ 

‏الدولة ، في احد تعريفاتها، هي التي تحتكر الاستخدام المشروع للعنف ، كلمة المشروع هنا تنصرف ،بالضرورة،  إلى القانون ، واستخدام العنف بالقانون وسيلة للرد على العنف، وحماية المجتمع، أقصد ،هنا ،أن تجربة الدولة الأردنية ، طيلة 100 عام استندت إلى منظومة من القيم التي حكمت علاقتها مع الأردنيين والسكان أيضا ، ما حصل نتيجة التحولات التي طرأت في الداخل والإقليم والخارج، وهي كبيرة ومتسارعة ومخيفة ، فرض على الدولة أن تعيد تشكيل أدواتها ، وهذا ما حدث تماما ، بعد أن ثبت أن الاعتماد على نخب المجتمع و ثقافته وقيمه، لا تكفي لإحداث التغيير الاجتماعي والثقافي المطلوب،  التغيير بحاجة إلى قوانين تضبط حركة الناس، وتهذب سلوكهم، وتردعهم عن ارتكاب الخطأ.

‏هكذا ، كما أعتقد،  تفكر الدولة الآن،  وهي ،بالتالي،  ترد على سؤال لماذا انحازت للردع القانوني بهذه القسوة،  بإجابة مفادها المقارنة بيننا وبين نماذج دول أخرى ، يحترم مواطنوها والمقيمون فيها وزوارها القانون ، ليس لأنهم يمتلكون قيم الاستقامة واحترام النظام العام فقط ، وإنما لأنهم يخشون القانون، وما يفرضه  عليهم من عقوبات. 

هل تكفي هذه الإجابة؟ لا بالتأكيد ، ثمة عوامل أخرى نحتاجها لتصحيح ثقافة المجتمع،  واحترام القانون والالتزام به ، أهمها انتصاب موازين العدالة،  وإعادة المواطنة إلى سكتها الصحيحة،  ثم ترميم الثقة بين إدارات الدولة و سلطاتها وبين الأردنيين.  هذا كله يحتاج إلى تغييرات جوهرية في المسارات العامة لإدارات الدولة وادائها، نجاحها مرهون بنجاح مشروع التحديث الذي بدأ ، ولا يجوز أن يتعطل مهما كانت المبررات.

‏أكيد ، يختلف الأردنيون حول التشريعات التي استهدفت ضبط حركة المجتمع ، لأنها تتعلق بحرياتهم ، وتمس دخولهم،  وتؤثر على تقاليد اعتادوا عليها منذ عشرات السنين ، لكن لا يمكن لأي دولة أن تتفرج على مجتمع يغرق بالفوضى على وسائل التواصل ، والطرقات،  ويدفع كل ذلك من أرواح أبنائه وسمعتهم ، صحيح الجرعة العقابية كانت قاسية ماديا ومعنويا ، لكنها ،في تقديري ، ضرورية في المرحلة الأولى ، لإعادة المجتمع إلى طبيعته التي نشأ عليها ، ثم ترميم القيم التي تآكلت فيه ، ومواجهة التحولات التي طرأت عليه. 

‏أعرف، هذه المهمة صعبة، وتحتاج إلى وقت،  لكنها تبقى الحل السريع لنقل المجتمع ،ومن ثم الدولة،  من مرحلة الرخاوة إلى مرحلة الحزم ، ومن دائرة اللامبالاه إلى دائرة الاهتمام ، ومن إطار الاعتمادية على السياسات والتشريعات الفضفاضة،  إلى الالتزام والاحترام ، عنوان كل ذلك القانون ، مهما اختلفنا عليه ، وفي موازاة ذلك ،أيضا ، العدالة التي يجب أن تكون مع القانون جنبا إلى جنب.