سكان مخيمات اللاجئين، ماذا يعني وطن يا أبي؟
د دانييلا القرعان
سكان مخيمات اللاجئين عندما يتحدثون لأطفالهم عن اوطانهم الذين غادروها جبرا عنهم، وكيف هي حياتهم الماضية وبيوتهم واراضيهم ومزارعهم وممتلكاتهم، يردون عليهم اطفالهم: ماذا يعني وطن يا أبي؟ وهل نحن لنا دولة ننتمي لها كبقية أطفال العالم؟ ولماذا نحن نعيش داخل هذه الخيم القماشية؟ وهل كنا نتملك بيتا من طوب وطين تحمينا من برد الشتاء وحرارة الصيف أكثر من هذه الخيم الهشة؟ نجيب ونقول لهم ونخبرهم بأننا كنا نمتلك وطن جميل لا تعوضه السنين والأيام، ولنا بيوتا قوية لا تهزها الرياح، لكن الحرب إذا أعلن بدايتها ورفعت رايتها ينتهي كل شيء، وبالتالي نغادر اوطاننا جبرا عنا، وهو ليس خيارنا ان نعيش كاللاجئين غرباء في مخيمات ليس لها موقع على خريطة العالم، لكن نطمئنكم انه سرعان ما تهدأ الوضاع في اوطاننا سنعود لها يوما ما. يسألوننا أطفالنا ايضا بشكل مستمر عن مستقبلهم، وما إذا كان بإمكانهم اكمال الدراسة هنا في هذه المخيمات، او تلقي العلم والثقافة كبقية أطفال العالم، او إذا كان بمقدورهم عندما يكبرون ان يتزوجوا ويمتلكون بيوتا هنا. بدورنا نحن الأهالي نجيبهم بأن هذا الامر ليس بيدنا وانه متروك لقدرة الله عز وجل على تغيير الأمور، وانه مثل ما جئنا هنا الى هذه المناطق دون سابق انذار والتي لا تربطنا فيها أي صلة، فقط صلة العيش على ارضها، سنعود أيضا الى ديارنا واوطاننا دون سابق انذار، لكننا في الوضع الراهن لا نستطيع العودة حفاظا على ارواحكم وابعادكم عن شبح الموت الذي بات يتربص بنا في اوطاننا من كل الجهات، لكننا حتما يا اطفالنا نشتاق لكل شيء في اوطاننا، نشتاق الى الماء والهواء والجيران والطفولة والاهل والجدران والذكريات، والأسواق والدكاكين، والسهول والجبال، لكن ليس بيدنا حيلة الا ان نبقى هنا نعيش بين الخيم التي لا تصمد امام قساوة الشتاء وحرارة الصيف الملتهب، الا ان يحين دورنا بالعودة الدائمة لديارنا، وتبقى معيشتنا هنا مجرد ذكريات أليمة نتجنب تذكرها.
أنشأت المخيمات جيلا جديدا من الأطفال الذين لم يروا اوطانهم، ولم يروا أي شيء خارج محيط المخيم، حيث أصبح المخيم هو عالمهم فقط، وكأن لا عالم اخر خارج حدود المخيم، يلعبون ويمرحون، ويتراقصون مع حبات المطر التي تنزل على وجههم فرحين بها، وكأنها رسائل مرسلة من ماء اوطانهم، ويغوصون في وحل الخيم، ويرتعشون من برد الشتاء القارص، وينتفضون من حرارة الصيف، وكأن مناعتهم أصبحت قوية لدرجة ان أجسادهم تأقلمت مع الوضع الراهن. ومع ان أطفال المخيمات أطفالا لا تتعدى حدود بصرهم حدود المخيم، الا انه يجب ان يعامل الأطفال في جميع انحاء العالم معاملة متساوية دون تمييز بينهم، وبصرف النظر عن المكان والزمان الذين جاءوا منه، والأسباب التي دفعتهم لمغادرة اوطانهم.
الكثير من الأطفال يولدون داخل الخيم، ولا تجد امهاتهم سوى قطعة قماش قطنية رفيعة تدثره بها، تحتضن طفلها الرضيع التي تعلم تماما ما هي الحياة والمستقبل اللذان ينتظرانه، تحتضن رضيعها النحيف داخل خيمة هشة مهلهلة تؤول للسقوط في أي لحظة. هذا الرضيع الذي أصبح الان بعمر ال 7 سنوات، ما زالت الحياة صعبة امامه، ويظن ان الخيمة التي ولد بها هي وطنه، يعيش في ظروف خطرة وفقيرة تفتقر الى الاستقرار الدائم، هو واحد من أكثر من نصف مليون طفل يولدون ويكبرون وسط الخيم المحاطة بالأسلاك الشائكة، وينتشر فيها الجوع والامراض والمعاناة، وللأسف ورغم كل الجهود الدولية لتحسين حياة أطفال مخيمات اللاجئين الا انه لا يوجد أي بوادر حقيقية لتحسين أوضاعهم، ولا يتلقون أي تعليم رسمي، ولا توجد أي فرص حقيقية لحصولهم على وظيفة عندما يكبرون.
لا أرى أي مستقبل حقيقي لأطفال مخيمات اللاجئين، فالكثير من العوائل والاسر بدأت بإرسال أطفالهم للعمل لتأمين احتياجاتهم الأساسية، وهنالك الكثير من الأطفال تبلغ أعمارهم 6 و7 أعوام يعملون لساعات طويلة مقابل أجر ضئيل، ويتعرضون لكل أنواع العنف من ارباب العمل والاستغلال والاعتداء الجنسي. ينفطر قلبي على هؤلاء الأطفال الذين لا ذنب لهم بهذه الحروب، والذين أصبحوا ضحايا هذه النزاعات والحروب والاتفاقيات السرية والتحالفات. ويجب ان يتخذ العالم كل الوسائل الممكنة والمتاحة في ضوء ما يحدث من كوارث حقيقية داخل المخيمات لإنقاذ جيل من الأطفال الذين يتعرضون للعزلة والمعاناة والفقر والمرض والصدمة وعدم التعليم وتلقي العلاج بأسرع وقت. من جانب اخر يجب دعم الدول التي تستضيف اللاجئين على أراضيها، وتوفير كل أنواع الدعم المادي والمعنوي لها، حتى لا يكون هنالك ضغط على مواردها الثابتة، وندخل في أزمات أخرى تتعرض لها الدول المستضيفة. ودائما أقول إذا تضافرت الجهود الدولية ودعمت الدول التي تستضيف مخيمات اللاجئين سيكون هنالك مساحة كافية حتى يتنعم أطفال المخيمات بالحقوق الممنوحة لهم وكأنهم داخل اوطانهم، أسوة بأطفال العالم الآخر، إذن هي علاقة طردية، كل ما تم الاهتمام بالدول المستضيفة ماديا ومعنويا تم الاهتمام بالأطفال وتوفير سبل الراحة والامن والأمان والتعليم والصحة لهم.