الأحزاب والانتخابات النيابية.. شبح الإخفاق يطارد أحلامها في سماء المشهد السياسي

مع تأكيد جلالة الملك عبدالله الثاني خلال لقائه عددا من الضباط المتقاعدين في منزل الفريق أول المتقاعد طلال الكوفحي أمس الثلاثاء، أن الانتخابات ستجرى العام المقبل، تبرز العديد من التساؤلات حول مدى جاهزية الأحزاب لخوض غمار التجربة صوب تشكيل حكومات برلمانية.

الملك شدد خلال اللقاء على أنه لا بد من تطوير عمل الأحزاب، لافتا إلى أهمية دور الجامعات والشباب والمرأة في إنجاحها، وهذا الحديث للملك يستدعي الغوص في ملف الأحزاب ومدى قدرتها بالفعل على حمل ملف الانتخابات والتحليق في الأجواء الجديدة للمشهد السياسي.

 

فالأحزاب، تواجه تحديات عميقة يتعلق أبرزها بمحدودية قدرتها على استقطاب الأردنيين، وإقناعهم ببرامجها وجدوى حضورها وتأثيرها، فضلا عن التحديات ذات الصلة بقطاعي الشباب والمرأة، وعدم قدرة تلك الأحزاب على اختراق عزوف الشباب عن المشاركة السياسية بشكل عام، وعن الانتساب للأحزاب تحديدا.
 
الرواية الرسمية تقول إن الدولة بكل مؤسساتها أنجزت البيئة التشريعية بكل متطلباتها من قانوني الانتخاب والأحزاب ونظامي تمويل الأحزاب والأنشطة الحزبية، وإنها هيأت المناخ السياسي وربما الأمني لانطلاق العمل الحزبي دون قيود تقليدية، وكأنها بذلك ترمي الكرة في ملعب الأحزاب نفسها لتعمل على اختراق العقبات التي تواجهها في قناعات الأردنيين وموقفهم المسبق منها.

في كل الأحوال، لا بد من انتظار الانتخابات للحكم بشكل علمي ومنهجي على حجم الدور الحزبي وقدرته على أن يكون لاعبا أساسيا ومؤثرا في الحياة السياسية في البلاد.

بهذا الخصوص، لا يمكن تجاوز تصريحات النائب عمر العياصرة عندما قال قبل أيام، إن الأحزاب في البلاد ما تزال في مرحلة التأسيس، مستعينًا بمثل شعبي "ما دخلنا القصر غير مبارح العصر".

وأضاف العياصرة، أنه "لا يوجد لدى الأردنيين قبل تأسيس الدولة أي خبرة في تأسيس الأحزاب؛ إذ كنا نستوردها، فحزب الاستقلال جاء مع الأمير المؤسس، في حين كانت الأحزاب في خمسينات القرن الفائت صدى بعد موجود في سوريا أو العراق أو مصر".

وأكد أن "التجربة الأردنية في تأسيس حالة حزبية تقوم على التفاهمات تجري بين مجموعة من الأشخاص بخلفية قد تكون أيديولوجيا لا توجد في المملكة"، مشيرًا إلى أننا "ما زلنا في مرحلة الحبو، حيث لا يمكن مطالبة الأحزاب في الوقت الراهن أن تكون لديهم أمور مكتملة".

وأشار العياصرة إلى أن الحالة الأردنية في الأحزاب ربما تحتاج إلى بعض التدخلات الجراحية، موضحًا أن ثقافة البرامج في الأحزاب لغاية اللحظة لم يُفكر فيها، "اليوم يتم التفكير بقصة الترخيص والعدد والعدة، والأردن تاريخيًا يقوم على الهرم المقلوب، نبدأ بالشخص ثم نذهب إلى القاعدة.. كل هذا موجود ويتوجب أن نعترف به".

وبين، أنه "قررنا الذهاب صوب الحالة الجماعية في مجلس النواب ولا سيما بعد أن شاهدنا المجالس البرلمانية تضعف شيئًا فشيئًا وتقترب من الموت الذي ينعكس على الشارع الأردني، وبالتالي عدم الثقة في المؤسسة البرلمانية".

ولفت إلى أن "أحزاب المعارضة طار شرها وتعرف طريقها ولا تستعمل البرامج الحزبية، وتتحالف أحيانا مع الغضب والسخط الشعبي لكن في النهاية تتقدم على أحزاب المحافظة أو الموالاة"، في حين أحزاب الموالاة لا زالت في مرحلة الحبو الحزبي؛ لذا "نضطر أن نمد لها يد العون ومن ثم تتنافس".

وقال، "كان لدينا إشكالية بغياب مجتمعين عن العملية الانتخابية؛ الأكاديميين والبيروقراطية".

وأصر العياصرة على إطلاق مسمى "الحبو الحزبي" على المرحلة الحالية لدى الأحزاب المحافظة التي تحتاج إلى "فت عدس" حتى تستطيع أن الاستقلال بقرارها والخروج من إطار الجهة والحارة وتصبح منسجمة مع مفهوم القائمة الحزبية.

ونوه إلى أن المشروع السياسي ليس مشروع الأحزاب، ولن يترك الا بعد فترة، فهذا مشروع الدولة برعاية جلالة الملك عبد الله الثاني، مبينًا أن منطقة الأحزاب في الوسط لا يجب أن نتركها عائمًا كونه مترددًا.

ولفت إلى أن الدولة عليها في لحظة تاريخية أن تترك الأحزاب المحافظة بعد نهاية مرحلة الحبو، "فتتركه يذهب إلى مدرسته، ولا سيما أنها متشابه في برامجها ومواقفها".

وأضاف العياصرة، إذا أحزاب المعارضة التي لها 50 عامًا في البلاد، لا تستطيع إنتاج برامج واضح ومحدد وتفصيلي يخاطب الأردنيين.. يذهبوا للشعارات والعموميات التي تخاطب الغريزة والعاطفة ويكيشوا الأصوات تحت هذا العنوان.

ولفت إلى أن أحزاب المعارضة بحاجة إلى "شغل على قصة البرنامج"، لكنه عاد للتأكيد على أن هذا المشروع السياسي ليس مشروعًا إيديولوجيات، بالرغم أن بعض الأحزاب لديها الخلفية لكن في النهاية مشروع برامجي.

وتحدث العياصرة عن أن الأحزاب عليها التحالف مع مثقفين وأن تتبنى خطابًا وأن تتبنى مقاربة وطنية يفهم برامجها؛ في سبيل اقناع الأردنيين الغاضبين والساخطين والعازفين عن الانتخابات.

وتطرق إلى أنه في المرحلة السابقة كان هنالك هروبًا تكتيكيًا من بعض القضايا السياسية، ومنها قانون الجرائم الإلكترونية.

وقال، إن المدن الرئيسية في المملكة لا يذهب سكانها إلى صناديق الاقتراع لأسباب عديدة، ومنها فقدان الثقة وتفتقر للبعد عن تحشيد القوى.

ولفت إلى أن الأردن مضطر للذهاب صوب الحياة الحزبية، "قد نذهب إلى بعض النحت، وحتى أحزاب المعارضة نحطها في الزاوية ونقول لها هذا المشروع برامجي".

وعن حزب الشراكة والإنقاذ، أجاب العياصرة أن الدولة وقفت عنده 100 مرة؛ كونها متشككة بأنه يريد أن يذهب في المشروع السياسي كحالة برامجية.

وزاد: تشعر الدولة أن الشراكة والإنقاذ يقدم خطابين؛ أولهما يريد المشروع، في حين خطاب آخر يريد استهداف شكل الدولة.

وعاد للحديث عن مرحلة الحبو الحزبي قائلًا، "في هذه المرحلة إذا حكيت كثير.. تبلع اللهاية.. يجب أن تهدي".

ونوه إلى أن المشروع الجديد اصطدم بالمجتمع الذي لا يريد الذهاب إلى صناديق الاقتراع، والذي يفتقر إلى الديمقراطيين والمدنيين، بالإضافة إلى اصطدامه بالغاضبين والساخطين.