توسيع الدوائر الانتخابية
صدر عن مجلس الوزراء نظام يرسم الدوائر الانتخابية للعاصمة عمان ولمدينة إربد ثاني أكبر المدن الأردنية. النظام يرسم حدود الدوائر الانتخابية التي كان من مخرجات تحديث المنظومة السياسية وقانون الانتخاب تقليص عددها في عمان لثلاث دوائر بعد أن كانت خمس دوائر وفي احيان سبع دوائر، وفي إربد لدائرتين بعد ان كانت اربع دوائر. باقي المحافظات الاردنية والبوادي الثلاث دائرة واحدة لكل منها بما في ذلك الزرقاء ثالث أكبر المدن الأردنية والتي كانت دوما دائرتين انتخابيتين على الأقل.
لقد كان تكبير الدوائر الانتخابية وتوسيعها من أهم مخرجات التحديث السياسي، وبالتأكيد فالدائرة الانتخابية الأكبر هي الوطنية الحزبية المحصورة للأحزاب والتي فيها عتبة 2.5 % وبتمثيل نسبي مغلق وبمقدار مقدر من النواب بلغ 41 نائبا ليزداد العدد تباعا بعد كل دورة انتخابية.
كان النقاش مهما وعميقا حول هذا الأمر غلب فيه الرأي الذي يريد توسيع الدوائر الانتخابية، وذلك لعدة أسباب سياسية، أعمقها، أن الأردني سواء المرشح أو الناخب عندما يكون في دائرة انتخابية كبيرة يستطيع أن يرى أبعد ما هو محصور في منطقته المحدودة، فيرى الأردنيين الآخرين والتحديات التي يواجهونها ولا يرى فقط ذاته ومنطقته وهذا مهم لجهة أن يقدر منطقته وذاته بالمقارنة في باقي مناطق الوطن.
ثانيا، تكبير الدوائر الانتخابية من شأنه أن يعزز الوحدة الوطنية ويقفز على التقيسمات الفرعية التجزيئية التي انتجت وعززت الهويات الفرعية على حساب الوطنية. ثالثا، فإن تكبير الدوائر الانتخابية من شأنه أن ينعكس على البرنامج الانتخابي لجهة تجويده وتضمينه نقاطا يتماهى معها وينشدها أردنيون عديدون بعيدا عن النظرة الضيقة لحاجة منطقة بعينها. هذه كلها سمات جيدة وإيجابية لتكبير الدوائر الانتخابية، اما من سلبياتها، فأهمها احتمالية سواد خطاب شعبوي تأجيجي بهدف حصد أصوات في الانتخابات فيعكف المرشحون للقول للناس خطابا سوداويا مضللا لكي يطرح نفسه أنه البديل ولذا فعليهم انتخابه.
في كل دول العالم يعتبر رسم الدوائر الانتخابية أمرا سياسيا مهما وحساسا، وثمة نموذجان أساسيان: الأول يقسم البلد لعدد دوائر انتخابية مساو لعدد مقاعد البرلمان كما في بريطانيا، والثاني يجعل البلد دائرة واحدة ضمن تمثيل نسبي للأحزاب في مقاعد البرلمان.
ثمة نموذج ثالث يجمع بين الأمرين بطرق مختلفة ونحن في الأردن جزء من هذا فلدينا نموذج خليط بين الدائرة الانتخابية الوطنية المغلقة للأحزاب، وبين الدوائر التي تمثل الناس في مناطقهم الانتخابية المختلفة مع التوجه لتوسيع هذه الدوائر حتى لا ننعش الهويات الفرعية. لكل نموذج سلبيات وإيجابيات والفيصل بالنهاية إلى أي مدى نستطيع تمثيل الناس وإنتاج برلمانات قوية تشريعيا ورقابيا وبذات الوقت بعيدة عن الشعبوية. هذا هو تحدينا الرئيس القادم الذي يتمثل بإنتاج البرامجية بمفهومها المعاصر والابتعاد عن الشعبوية التي تدمر الأوطان وان كانت تجلب الأصوات.