كيف تجنب نفسك عقوبات الجرائم الإلكترونية؟.. القضاة يشرح بالتفصيل

كتب عضو مجلس نقابة الصحفيين خالد القضاة: 

بعد إقرار قانون الجرائم الإلكترونية الجديد وقرب نفاذه لابد من من توضيح بعض الحقائق وشرح عدد المفردات التي لها مساس في حرية التعبير والعمل الصحفي، وساقوم لاحقا بشرح حالات محددة.

- هذا القانون له تماس مباشر بالعمل الصحفي ومن يقول غير ذلك فهو يجانب الصواب ويضع رأسه بالرمال، فكل المواد المنتجة صحفيا أصبح لها صيغة رقمية تُرفع على المواقع الالكترونية او على شبكات التواصل الاجتماعي.

- نحن اليوم كصحفيين مهنيين وضمن مظلاتنا في نقابة الصحفيين ومؤسساتنا الإعلامية ندفع ثمنا باهظا لصمتنا على كل الممارسات السلبية التي كانت تمارس باسم حرية التعبير والصحافة، وكنا نعلم ونشتم من تلك الممارسات رائحة الكراهية وتصفية الحسابات والابتزاز ولكننا التزمنا الصمت كوننا لسنا الضحايا المباشرين ولا الجناة الفاعلين، وبالمختصر نحن مهدنا لهذا القانون بصمتنا كصحفيين وكنقابة وكمؤسسات اعلامية.

- لنعترف ان تخلي المؤسسات الإعلامية عن دورها في قيادة إدارة الحوار العام وتقديم المعلومات الصحيحة للعامة لتكون مصدرا للتعليق عليها على شبكات التواصل الاجتماعي فتح المجال واسعا أمام عدد من النشطاء للاعتداء على دور الصحفيين في قيادة الرأي العام وتوجيهه، وأحيانا كان يتم ذلك للأسف برعاية حكومية تحت مسمى "مؤثرين" او شبه رسمية بالباطن، فظهرت الحروب نيابة عن الغير تطوعا او بأجر، واتسعت ظاهرة الابطال من ورق.

 -  لنعترف إن عددا من القيادات قزمت المؤسسات الإعلامية، أما لضعفها المهني أو إرضاء لمن جاء بها لتلك المواقع القيادية، فتولت الدفاع عن مسؤول او جهة تنفيذية بالباطل وصمتنا، فهجرها الجمهور، وتسببت تلك المؤسسات بحالة من الانفلات بالنقد السوداوي على شبكات التواصل الاجتماعي لمبالغتها بالمديح دون وجه حق، وألان لم تعد تلك المؤسسات تقوى حتى على عمليات جراحية لإصلاح شأنها.

-  لن ندعو للتوقف عن إنتاج المحتوى في المواد الصحفية المهنية الناقدة للسياسات العامة في المؤسسات الإعلامية، وإذا شهدتم تراجعا بالمحتوى فذلك مردة لضعف بالقيادات وليس جبّنا او تخلّيا من الصحفيين عن واجباتهم، فهم مازالوا يقبضون على الجمر او اختاروا المغادرة بحثا عن المهنية في مكان اخر.

- القانون بصيغته الحالية سيخلق مشاكل في المجتمع أكثر من المشكلات التي حاول تبريرها بالأسباب الموجبة، وكلنا معنيون برصد تلك المشكلات والتي تتمثل بأحكام قضائية متباينة بين محكمة وأخرى وبين القضاة أنفسهم بذات المحكمة إضافة لتراجع المحتوى الناقد البناء على شبكات التواصل الاجتماعي خوفا من الوقوع بشبهات هذا القانون الذي أجاز التوقيف، او تحسبا لشرك التعليقات، وأول المتضررين منه منظومة الإصلاح السياسي.

- القدح والذم: مصطلحات يصعب فهمها وضبطها من الصحفيين والعامة ولابد من امثلة لإدراك حدودها:

عندما نقول: إن المسؤول الفلاني يستغل منصبه خلافا للقانون فهذا قدح، لأننا إسنادنا اليه صفات دون وقائع محددة، أما عندما نقول ان المسؤول الفلاني يستغل منصبه خلافا للقانون واستحوذ على بعثة دراسية لابنه، فذلك ذم، لأننا أسندنا اليه صفة مع واقعة مقرونة بالفعل، أما عندما نقول ان "المسؤول الفلاني يستغل منصبه خلافا القانون واستحوذ على بعثة دراسية لابنه، وكانت الواقعة صحيحة فيتحول القدح والذم إلى نقد مباح، أما التحقير فمازلت على قناعة ان التحقير لا يتم رقميا حيث يشترط به الوجاهية حتى تتحقق أركان الجريمة.

- المثال أعلاه يبين الخطوط الدقيقة التي تفصل القدح عن الذم وعن النقد المباح هذا من جانب ومن جانب أخر يأتي عبء الإثبات فإذا نشرت هذه المادة في مؤسسة إعلامية، فيتوجب على المشتكي ان يثبت ان ما ذهب إليه الصحفي ليس صحيحا، أما إذا نشرت على شبكات التواصل الاجتماعي فيتوجب على الكاتب ان يثبت صحة ما ذهب اليه، وهنا يدخل اختصاص قانون الجرائم الالكترونية فيصبح عبء الإثبات على الصحفي وليس على المشتكي كون المادة نشرت بصيغة رقمية.

أما اغتيال الشخصية فهذا المصطلح السياسي الأكثر تعقيدا في الفهم والتحوط في العمل الصحفي كونه مستحدث، فبعد قراءة المادة لأكثر من مرة يُفهم منها ان اغتيال الشخصية هو  العمل الممنهج المقصود في مطاردة شخص بالذم والقدح بشرط التكرار لأفعال مختلفة، او القدح والذم لذات الفعل بأكثر من طريقة سواء في النص او فيديو او الصور، والنشر المتعدد لذات الخبر او المادة الصحفية على المنصات المختلفة مثل الفيس بوك والتوتير والانستجرام والتوك توك و الريلز والقصص والحالات قد يعتبر اغتيالا للشخصية كونها أصبحت أفعالا متعددة ومقصودة وان كانت لحدث او خبر واحد.

وفي حالة الكراهية  فان الفهم المبسط للكراهية يشير الى توجيه نقد لشخص على أساس عرقه او لونه او دينه او جنسه، بمعنى ان المغزى من النقد ان ذلك الشخص ارتكب تلك الأفعال المنتقدة ليس بسبب سوء إدارته او لقصر معرفته بالقانون انما بسبب انه مسلم او مسيحي او ذكر او انثى او لون بشرته او لأصله وعرقه، فخطورة خطاب الكراهية أنها لا تنال من الشخص بذاته إنما تطال للمجتمع الذي ينتمي اليه، ويظهر خطاب الكراهية في الأحداث الرياضية وفي الانتخابات والترشح للمناصب القيادية ومحاربة الفساد، فينقسم المجتمع مع او ضد لا على أساس الكفاءة بل على اسس مكونات المجتمع التي من المفترض ان تكون قوة له في تنوعها وليس سببا في تمزيقه بالاصطفاف.

ولكي لا تصطادك المفاهيم والمصطلحات السابقة تجنب ما يلي:

- لا تُنصب نفسك قاضيا وتجعل من مؤسستك الإعلامية محكمة تطلق فيها أحكاما على الآخرين مثل القول فاسد، سارق، خارج عن الملة، يستحق النفي او القتل.

- المادة الاحترافية هي التي تترك بأذهان العامة انطباعات وتشكل رأيا عاما مع الشخص او ضده مثل ان تتحدث عن وقائع وأدلة تثبت العبث بعطاء ما دون ان تذكر كلمة فاسد او مرتشي، وتترك هذه القناعات تتولد لدى الجمهور دون ان تذكرها صراحة.

- لا تخوض حروبا نيابة عن الآخرين ولا تجند صفحتك او مؤسستك لتصفية او الإطاحة بالخصوم سواء بمقابل اي كان نوعه او متطوعا،فالقانون الجديد لا يجرم الناشرين فقط بل يطال للممولين بالملاحقة.

- اذا مررت لك اي شخص او جهة وثيقة اسال نفسك قبل نشرها لماذا انا ولماذا مؤسستي ولماذا الآن وما مصلحة من ممر الوثيقة من النشر.

- حاول تحقيق مبدأ التوازن في المادة الصحفية لأبعد الحدود وإذا اعتذرت أي جهة عن الرد على استفساراتك وثق ذلك وانشره في مادتك الصحفية لتحقيق اعلى درجات التوازن والحيادية.

- عزز ثقافة الاعتذار، فاذا اخطأت بنشر معلومة واكتشفت انها مغلوطة او خرجت عن سياقها بسبب سوء التحرير، لا تترد بالاعتراف بالخطا والاعتذار لمن اخطأت بحقهم وللجمهور.

- اطلب من مؤسستك الإعلامية عرض المادة عليك قبل النشر بصورة نهائية واشترط موافقتك على تقطيعها ونشر أجزاء منها على شبكات التواصل الاجتماعي، ويفضل الاتفاق على مدونات سلوك في المؤسسات الإعلامية تبرئ الصحفيين من اجتزاء وتقطيع موادهم وإعادة نشرها بصيغ رقمية على شبكات التواصل الاجتماعي.

- احرص على إضافة عبارة (سيتم إزالة كل تعليق يخرج عن سياق الموضوع) مع المواد المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي لإثبات حسن النية وتكرارها على كل منشوراتك يثبت حرصك وحسن نواياك في النشر.

- لا تحاول النيل من السلطة القضائية ايا كانت قرارات المدعين العامين او القضاة فهم يحكمون بنصوص اقترحتها الحكومة واقرها مجلس الأمة، انتقد النصوص التي حكم بها القاضي ولا تنقد القاضي نفسه، فلنا مصلحة جميعا بحفظ هيبة القضاة والمدعين العامين واستقلال السلطة القضائية.