السعايدة يكتب: رسالة طمأنة للأردنيين

كتب: نقيب الصحفيين الأردنيين راكان السعايدة:

نثق برؤية الملك

القول الفصل والحاسم الذي تحدث به جلالة الملك أمام نقابة الصحفيين والمركز الوطني لحقوق الإنسان بشأن قانون الجرائم الإلكترونية، لا بد وأن يكون سبباً في ضبط إطار النقاش العام حول القانون.

في هذا اللقاء أراد الملك أن يقول جملة مركزية أساسية، وهي أن: "مكافحة الجرائم الإلكترونية يجب أن لا تكون على حساب حق الأردنيين في التعبير عن رأيهم أو انتقاد السياسات العامة".

هذه جملة، بلا أدنى شك، بالغة الدلالة والأهمية، وفيها رسالة طمأنة للأردنيين بأن حقهم في التعبير والنقد محمي دستوريّاً وقانونيّاً وسياسيّاً، ولا يمكن المسّ بهذا الحق أو الحدّ منه.

وهذا القول يوازن بين حماية حق الرأي والتعبير ونقد السياسات العامة من جهة والتصدي للإساءات التي تخالف القانون، والأهم تتعارض مع أخلاقياتنا وقيمنا التي تحكم علاقتنا وتنظم طريقة اختلافنا وأساليبه في أي شأن.

وبتقديري، لعل أهم أسباب التخوفات التي أحاطت عملية إصدار القانون وإقراره ورافقتها، هو فجوة الثقة المتراكمة بين المجتمع والحكومة على مدار سنوات، التي هي مسؤولية الحكومة في المقام الأول. وبظني أنها، أي الحكومة، هي التي تتحمل عبء ردم هذه الفجوة وتجسير العلاقة القائمة على الثقة مع المجتمع والمواطنين.

وعلينا أن نعترف في ذات الوقت، بشجاعة وصراحة، بأن الفضاء الإلكتروني يعاني الفوضى والتسطيح والشطط، وبات جزء منه معول هدم للمجتمعات والدول، ومنه تتسلل أجندات غير وطنية، وأحيانا يُستخدم هذا الفضاء للاستقواء على الدول لخدمة مصالح دولة أو أفراد.

بمعنى آخر، إن النظر بمنطق، والتفكير بموضوعية، وعقل هادئ غير انفعالي، وبحسابات وطنية خالصة، تفضي إلى قناعة بأنه بقدر ما أنّ حماية حرية الرأي والتعبير وحق النقد هي قضايا مقدسة، فإن حماية المجتمع والدولة من أخطار الفضاء الإلكتروني ضرورة ملحة، لكن في سياق متوازن.

من هنا؛ فإن الملك في ذلك اللقاء نظر إلى قانون الجرائم الإكترونية، على أهميته الخاصة، كأي تشريع آخر قابل للمراجعة وللتعديل، مؤكدا أن تطبيق القانون سيكون العامل الحاسم في الحكم عليه وعلى آثاره ومراجعة بعض مواده.

وبفهمي، فإن القانون بصيغته التي أقر بها من مجلس الأمة ليس مقدساً، ومراجعته بعد تطبيقه لكشف علله ومشاكله والتخلص منها مسألة أكيدة، ولا أظن أن الأمر سيطول، وقد لا يتعدى العام.

الأمر الآخر المهم الذي تحدث عنه جلالة الملك، هو توجيه الحكومة لمراجعة قانون ضمان حق الحصول على المعلومات لتجويده وتطويره ليضمن تدفق المعلومات بالسرعة الكافية لمواجهة الأخبار الكاذبة والزائفة والمحرفة والمنقوصة أو المجزوءة والإشاعات.

وأظن أن مراجعة القانونين معاً، أي الجرائم الإلكترونية وضمان حق الحصول على المعلومات، كفيلة بإنتاج تشريعين نموذجيين، محمولين على توازن سرعة تدفق المعلومات، وصون حرية التعبير والنقد، والتصدي للإساءات، شرط أن يُصاغا في سياق الإيمان بديمقراطية الدولة ومشروعها الإصلاحي السياسي.

ولا يغني ذلك عن ضرورة وأهمية بناء ثقافة وطنية ديمقراطية وقانونية، تتركز في المدارس والجامعات عبر الإعلام، حول كيفية التعامل مع الفضاء الإلكتروني، وتمييز الغث من السمين، والفصل بين السم والدسم، بما يحول هذا الفضاء من أداة هدم إلى أداة بناء، ومن أداة للإساءة إلى أداة تؤشر إلى الخلل.

باختصار، كان يوم الثلاثاء يوماً آخر من أيام الانحياز الملكي إلى حرية الرأي والتعبير.. ورسالة إلى الحكومة بأن هذا الانحياز أصيل في التفكير الملكي.

نثق برؤية الملك وبعزمه وتصميمه على الإصلاح والتحديث بمختلف أوجُهِهما، وبأنه الضامن والحامي لحرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير وحرية النقد الهادف البنّاء.