نظام الدوائر الانتخابية.. هل عدنا إلى "الحشوات"؟
بصدور نظام الدوائر الانتخابية لسنة 2023 تكون الدولة الأردنية قد قطعت شوطا طويلا في اتجاه مشروع التحديث السياسي بصيغته التي تم التوافق عليها حكوميا وبرلمانيا وتحفظت عليها أطراف أخرى. فإقرار النظام من مجلس الوزراء بانتظار صدور الإرادة الملكية السامية ونشره في الجريدة الرسمية يشكل واحدة من أهم الخطوات على طريق ترسيم عمليات الإصلاح من البوابة التشريعية وإعلان جهوزيته للتطبيق وفقا للمواعيد الدستورية.
النظام الذي تم الكشف عن تفاصيله كجزء من منظومة العملية الإصلاحية من البوابة التشريعية وبغض النظر عن الآراء المتقاطعة بخصوصه، جاء تنفيذا لحالة التوافق النسبي التي أفرزتها السلطة التشريعية بغرفتيها» النواب والأعيان» مع الحكومة من خلال قانون الانتخاب الجديد، الذي أعاد تشكيل العملية الانتخابية وفقا لضوابط عنوانها ترسيخ العملية الحزبية والانتقال من نظام الانتخاب الفردي إلى الحزبي، ولكن بشكل تدريجي يبدأ مع الانتخابات المقبلة التي تعقب انتهاء الفترة الدستورية لمجلس النواب الحالي العام المقبل. والتي يملك جلالة الملك وحده الحق الدستوري في تحديد موعدها والأمر بإجرائها.
النظام الجديد يتضمن إحداث نقلة نوعية في شكل النظام الانتخابي من بوابة تقسيم الدوائر الانتخابية، وتحديد مقاعدها. وفي الوقت نفسه يحدث نقلة في روح العملية الانتخابية بالتدرج في نقل العملية الانتخابية ومن بعدها الأداء البرلماني من عمل فردي إلى عمل جماعي، برامجي سياسي منظم. وبحيث تكون المرجعية في الأداء حزبية برامجية وليست شخصية.
ولكي نكون منصفين، فمن غير المتوقع أن يتم ذلك دفعة واحدة وبشكل سريع. ذلك أن العملية تحتاج إلى وقت يعيش فيه أطراف العملية الانتخابية أولا، والنيابية ثانيا التجربة والانخراط في تفاصيلها والاستفادة من التجارب التي كانت قائمة أو تلك المطبقة في دول أخرى مع تطويعها بما يتناسب مع الواقع الأردني.
ومن هنا فإن محاكمة النظام الانتخابي من حيث المجريات المنتظرة، أو النتائج المتوقعة مبكر جدا وفي غير مكانه. فالأصل أن نعمل جميعا لتمكين التجربة من أن تأخذ مداها، وأن نوقن بأنه لا بد من خوضها بما هو متاح من معطيات وإمكانات مع تحسينها بأقصى قدر ممكن. وأن نثق بأن التجربة الحزبية لدينا في مجال المشاركة في الانتخابات لا يستهان بها.
فبغض النظر عن النتائج التي كانت متواضعة في انتخابات سابقة، فقد شارك في انتخابات عام 2020 ما مجموعه 41 حزبا من اصل 48 حزبا مرخصا، وبلغ عدد المترشحين الحزبيين 397 مترشحا وبنسبة 23 بالمائة من إجمالي المترشحين على مستوى المملكة والبالغ عددهم 1690 من الذكور والإناث، وهناك تجارب أخرى تعود لأعوام سابقة يمكن التوقف عند مجرياتها ومنها- على سبيل المثال- انتخابات العام 1989، مع الاخذ ببعض الفوارق الاساسية وابرزها النظام الانتخابي متعدد الأصوات الذي كان مطبقا آنذاك.
في تفاصيل النظام الانتخابي الجديد هناك المزيد من الثوابت التي - وإن تغيرت من حيث الشكل- بقيت ثابتة من حيث المضمون. ومنها استمرار نظام الكوتات، وسط انقسام في الرأي، فالبعض يرى أن من حق الأطياف التي خصصت لها بعض المقاعد أن تحظى بالتمثيل وفقا لما اعتادت عليه في مختلف الأنظمة الانتخابية التي طبقت على مدى عمر الدولة. وهناك من يرى أن عملية التحديث السياسي تتطلب الانتقال من نظام الكوتات إلى النظام المفتوح، يساعد في ذلك اعتماد مكان الإقامة كثابت وحيد لغايات التصويت، حيث يسجل للنظام بأنه أحدث نقلة نوعية في هذا البعد، وألغى المبدأ الذي كان مطبقا والذي يخير الناخب بين مكان الإقامة أو مكان الميلاد أو البلد الأصلي. وكان البعض يستغل تلك النقطة لحشد أصوات لا علاقة سياسية أو حتى خدمية فعلية لأصحابها بمن ينتخبونه.
أما النقطة الأكثر أهمية والتي كان من الممكن تجاوزها فتتمثل بإقحام الفئات الشبابية والنسوية ضمن إطار القوائم المترشحة وبمواقع متقدمة. فالعملية أعادت الى الأذهان ما حدث في انتخابات سابقة من تحديد الحد الأدنى لعدد مرشحي القائمة، وما تبع ذلك من تصنيفات وتسميات لبعض المرشحين، حيث انتشر مصطلح «الحشوات»، لغاية استكمال تشكيل بعض القوائم.
الفارق بين الصورتين، أن من يشغل ترتيبا محددا في القائمة في الانتخابيات المقبلة سيكون صاحب حظ أوفر في الفوز وفقا للثقل الانتخابي للقائمة. الأمر الذي من المفترض أن يدفع القيادات الحزبية للبحث عن كفاءات شبابية ونسائية لإشغال تلك المواقع الانتخابية، وليس كما حدث سابقا من أن العملية صورية، وقد تكون خضعت لعمليات بيع وشراء.
غير أن المسألة قد تكون مختلفة، فحسابات المرشحين مختلفة عما يفكر به الآخرون من خارج المعادلة الضيقة. وكما يردد البعض.. كل شيء في الانتخابات ممكن.