‏القانون أم العشيرة؟

‏حسين الرواشدة

‏ندخل الى المئوية الثانية بالقانون أم بالعشيرة ؟

الإجابة التي نسمعها ونكررها باستمرار ، هي أننا دولة قانون ،وأن الأردنيين -كمواطنين -متساوون أمامه، لكن الواقع يبدو عكس ذلك أحيانا،  فنحن (اغلبنا) نهرب من الدولة ،بما تمثله من قوانين ، إلى العشيرة بما تمثله من تقاليد ، كلما داهمتنا مشكلة أو أزمة. أخشى ما أخشاه أن يحاول البعض اعتبار العشيرة ندّاً للدولة ، وملاذا آمنا بديلا عنها،  وهو أخطر ما يمكن أن نتصوره،  حين نفكر بالتحديث السياسي والاحزاب ،وقيم المواطنة ،والعدالة ، وتداول السلطة.

‏لا يخطر ببالي ،أبدا ، أن أقلل من الدور الاجتماعي الذي تقوم به العشيرة،  ولا من أهميتها في بناء الدولة ، وتماسك المجتمع، وإشاعة مفاهيم المروءة والشهامة والتكافل بين الأردنيين ، لكنني اشعر بالقلق حين تُوظف العشيرة لأغراض سياسية، أو حين يقتحم البعض باسم العشيرة مجالنا العام،  لا من أجل تعزيز قيم الدولة وقوانينها ، والاحتكام لشروط هيبتها ، وإنما للاحتماء بالعشيرة منها .

‏أدرك ،تماما ، أن الفراغ الذي تتركه إدارات الدولة ، حين تصمت ، أو تتحرك ببطء،  أو تصل متأخرة،  تملؤه العشيرة ، ومن أسف أن استدعاء العشيرة من الحاضنة الاجتماعية للقيام بدور الإطفاء السياسي ، أو الردع القانوني ، أضرّ  بالعشيرة ،وبالدولة أيضا.

‏صحيح ، ثمة من يدعوا لحذف العشيرة أو اقصائها من مجالنا العام ،  سواء بتجريحها  والتهوين من دورها وإنجازها التاريخي ، أو من خلال اقحامها في أدوار ليست لها ، وهذا ما أرفضه تماما ، صحيح ،أيضا ، يد الدولة أطول وأقوى من يد العشيرة ، وبمقدورها تضرب بها (بالقانون)  متى شاءت ، لكن ثمة بيننا -ومنهم من يتغنى بالقوانين - من يوفر مسارات بديله ، بناءا على الرغبات والمصالح ،للآخرين ، لكي يفلتوا ، تحت عباءة العشيرة،  من المساءلة أو المحاسبة،  هذه السلوكيات صبت بعكس كل الجهود التي تبذلها إدارات الدولة ونخب المجتمع الحقيقية ، لبناء الدولة ، وتحديثها،  كما أنها شوهت صورتها لدى بعض الأردنيين،  بل وأغرتهم لمقايضة الدولة بالعشيرة ،أو العكس.

‏إن الاحتكام لمنطق الدولة ، بدل الاحتماء بمظلة العشيرة ، خاصة فيما يتعلق بالمسارات السياسية والقانونية ، هو أول خطوة ضرورية للخروج من حالة "الطبطبة "السياسية ، هذا الخروج يحتاج إلى استعادة منطق الدولة الذي لا ينتصر إلا بسيادة القانون على الجميع ، ثم استقامة موازين العدالة ،و ترسيم قيم المواطنة الحقة،  أما  التحديث،  إذا كنا جادين فيه ، فلا يتحقق إلا في إطار دولة قوية تبسط هيبتها على الجميع ، وتهضم كافة الولاءات الاجتماعية والاقتصادية والدينية لتصب في رصيدها،  بدل أن تشكل وصايات عليها،  أو فزاعات لإعاقة حركتها.

‏باختصار ، يجب أن تدخل الدولة إلى مئويتها الثانية بالقانون الذي يحترمه الجميع ، وأن تعود كل البدائل التي تطرح في سياق الملاذات البديلة إلى مكانها ،ودورها وحجمها الطبيعي ، معقول أن تُرفع بجامعاتنا أعلام بدل علم واحد نعرفه ونعتز به ؟  أو تُشهر هويات متعددة وربما متنافرة بدل هوية اردنية واحدة نتوحد عليها؟  أو أن نتصارع  حول القوانين ، ثم نهرب منها إلى الجاهات العشائرية؟ معقول أن يحدث كل هذا ، ثم نندب حظنا لضياع فرص التحديث ، او نتلاوم لتراجع هيبة القانون ، أو نحاول أن نقنع شبابنا بالدخول إلى أحزاب تضرب بيد العشيرة ، وتستمد منها مشروعية حضورها في المجال العام …معقول؟