هل قتلت سورية المشروع؟
أكثر من شهرين على القمة العربية الأخيرة في جدة التي حضرها الرئيس السوري بشار الأسد، وقبلها كانت اجتماعات عمان والسعودية حول الموضوع السوري، وكان الاتفاق على مشروع عربي هدفه الأول مساعدة سورية على الخروج من الحصار والعقوبات والعودة للعالم والتخفيف على الشعب السوري الذي يعيش أصعب ظرف اقتصادي حتى خلال سنوات الحرب، وأيضا مساعدة الدول العربية المستضيفة للاجئين السوريين، وتحديدا الأردن ولبنان، على تنفيذ برنامج يعيد السوريين إلى وطنهم، ويخفف عن هذه الدول المعاناة التي تتزايد وخاصة بعد زيادة الإهمال الدولي وتناقص المساعدات الإنسانية للاجئين وتحول العبء على الدول المستضيفة.
لكن هذه الشهور لم تشهد أي خطوة عملية للبدء بتنفيذ المشروع العربي، ورغم بعض الزيارات والحديث الإيجابي، إلا أنه أصبح واضحا أن الدولة السورية تعتبر عودتها للجامعة العربية وعودة بعض العلاقات العربية معها تعبيرا عن انتصارها، وأن العرب هم من عادوا لسورية وليست سورية هي التي عادت، وربما يكون هناك عمل إيراني بحكم السيطرة الإيرانية على بعض مفاصل القرار السياسي والأمني والعسكري السوري، لمنع أي خطوة سورية حقيقية لتنفيذ خطوات عملية، ولهذا يكتفي النظام السوري بكميات من العبارات اللغوية الإيجابية لكنه لم يفعل شيئا.
مؤكد أن الاستجابة السورية للمشروع العربي، وخاصة ما يتعلق بالحل السياسي وملف اللاجئين، ليست سهلة ولها ثمن كبير، لكن النتيجة أيضا مهمّة لسورية حيث العودة للعالم وتفكيك الأزمة الاقتصادية، وربما جلب مساعدات واستثمارات عربية ودولية وإعادة الإعمار، لكن السؤال الكبير:- من بيده قرار تنفيذ المشروع العربي في سورية، بشار الأسد، أم الطائفة العلوية، أم إيران وروسيا، أم قرار يتوزع بين جهات عديدة لا يمكن أن تتفق مصالحها؟.
نحن في الأردن معنيون بشكل كبير في نجاح المشروع العربي اقتصاديا وسياسيا وملف اللاجئين، ومؤكد أن النظام السوري يدرك هذا، وربما في داخله أو في أوساط حلفائه العجم من يرى في عدم استجابة سورية عقوبة للأردن أو ضغطا يمارس عليه أو ربما يريده البعض ورقة ابتزاز في مسارات أخرى.
النظام السوري يمارس عملية تذاكي على العرب، لكن عليه أن يدرك أن عملية المماطلة تخدم طرفين في المعادلة العربية: الأول، الدول التي ما زالت تعارض فتح الأبواب مع نظام بشار الأسد، والطرف الثاني، الذي وافق على عودة سورية وليس معنيا بخطوات أخرى، وهذا الطرف سيرى في الموقف السوري استغلالا لموقفه، وبالتالي فإن ما تم من فتح أبواب العلاقات سيتوقف عند ما تم دون خطوات أخرى يستفيد منها النظام السوري.
على النظام السوري أن يدرك أن الوضع الاقتصادي لسورية والمعيشي للسوريين وغياب الكهرباء والسقوط الكبير لليرة السورية لأكثر من 11 ألف ليرة لكل دولار، وعدم قدرة السوري على متطلبات حياته لأيام وغياب المشتقات النفطية والدمار في كثير من المرافق والمدن وغضب الموالين المعيشي الذي يراه الجميع ليس تعبيرا عن انتصار بل هو تعبير عن ثمن كبير جدا تدفعه سورية وتحتاج معه إلى من يقف معه وأن عليه أن يتخلى عن التذاكي وأن يسعى لما يخدم سورية وشعبه وليس شراء الوقت لمصلحة نفوذ إيران وأمور أخرى.