قانون السير: حتى تكتمل الدائرة !
يبدو أننا نعيش موسما عنوانه "تغليظ العقوبات"، لا لحاجة الدولة ومؤسساتها للمزيد من المال فقط، وإنما لقناعة بأن رفع الغرامات وتغليظ العقوبات يكون أشد إيلاما من أي عقوبات أخرى، وأكثر ردعا من عقوبات السجن التي باتت مكلفة أولا، ومحرجة ثانيا على خلفية اكتظاظ السجون وعدم قدرتها على استيعاب المطلوبين.
الدليل على ذلك أن قانوني الجرائم الإلكترونية والسير اعتمدا مبدأ تغليظ العقوبات بدءا برفع قيمة الغرامات، وليس انتهاء بالسجن وحجز رخص السوق والمركبات. قبل أن يقرر" النواب" منح خصومات تراوحت ما بين 20 الى 50 بالمائة، استجابة لنصائح مضمونها عدم قدرة المعنيين على الدفع، واحتمالية اضطرار المرجعيات المختصة الى تطبيق البدائل القانونية التي تحول الغرامة إلى الحبس وفقا لنصوص قانونية تعالج هذا البعد، وسوابق محددة تم بموجبها استبدال غرامات بملايين الدنانير لمحكومين بفترات سجن.
ولاحقا صوبت الحكومة قرارا سابقا يقضي بتحميل المنتفعين من عمليات تعبيد الشوارع كلفة التعبيد كاملة، حيث قررت تخفيض نسبة التحمل إلى النصف، مع أن القرار بأصله يتضرر منه المزارعون باعتبار أن الطرق المعنية هي طرق زراعية، الأصل أن تتحمل الحكومة تكاليفها كاملة دعما وتشجيعا للزراعة وتحسينا للعملية المرورية ورفع منسوب السلامة عليها.
في كل الأحوال، ما يزال قانون الجرائم الإلكترونية قيد البحث، فهناك احتمالية لرده من قبل مجلس الأعيان، على خلفية تعديلات جذرية مقترحة من قبل حكماء التشريع في المجلس، تسمح بتطبيق إحدى عقوبتي السجن أو الغرامة بدلا من العقوبتين معا. وهو ما طالبت به نقابة الصحفيين إضافة إلى تعديلات أخرى على درجة عالية من الأهمية.
وهو ما يعني أن الباب يمكن أن يكون مفتوحا للإضاءة على نقاط قد لا يمكن معالجتها في القانون، مع أنها ذات تأثير واضح على مخرجاته، وضرورية جدا من أجل نجاحه، وتحسين نتائجه وبخاصة ما يتعلق بقانون السير، الذي جاء في وقت زادت فيه الأوجاع الناتجة عن حوادث المرور القاتلة، وما تعانيه شوارعنا من استهتار من قبل بعض السائقين.
فنجاح القانون في الحد من الحوادث المرورية بشقيها، القاتلة، والمستنزفة للأموال، مرهون بمدى تطبيقه على الأرض. فكما تؤكد المعطيات، كانت هناك نصوص قانونية لم يتم تطبيقها إلا بنسبة متدنية جدا.
على سبيل المثال تحدث في شوارعنا عشرات الآلاف من مخالفات التغيير المفاجئ للمسرب، والسير المتعرج غير أن ما يتم رصده فعليا لا يتجاوز سوى نسبة بسيطة من تلك المخالفات. ومثل ذلك السرعة الزائدة حيث ترصد الدوريات بعض حالات السوق الطائش أو السرعة الجنونية من بينها ما كشف عنه تقرير لـ" الدوريات الخارجية" على طريق الأزرق، ضبط أشخاص يسوقون بسرعة 201 كيلومتر و 187 و186 و 183 كيلومترا.
والسؤال هنا، هل نجحنا في رصد النسبة الكبرى من مثل تلك المخالفات؟ أم أن ما تم رصده هو" ما تيسر" فقط.
غير أن المسألة الأكثر أهمية وخطورة والتي لا يتوقف عندها أحد، والتي لها نصيب كبير من حوادث المرور القاتلة أو المكلفة ماديا، وتلك التي تتسبب بهدر مئات الملايين من الدنانير، فتتمثل بحالة الطرق. بدءا من الحفر الناجمة عن التآكل وانتهاء بالمطبات التي يتم وضعها.
فمع الأسف لا توجد مواصفة للمطبات، والكثير منها يتسبب بحوادث قاتلة.
على سبيل المثال هناك مطبات بعرض أمتار، وأخرى بعرض سنتمترات، وهناك بارتفاع عشرين سنتمترا وأخرى بارتفاع نصف متر، وهناك مطبات في مناطق غير مأهولة، لا مبرر لوضعها أصلا على طرق خارجية غير مضاءة، ومن دون عاكسات، يتفاجأ بها السائق، وهناك مطبات عبارة عن كومة من العاكسات العشوائية تمتد على مسافة عشرات الأمتار في مناطق حساسة. بينما جميع أغطية المناهل تكون مرتفعة أو منخفضة عن منسوب الشارع وتسهم في رفع الحوادث وتدمير السيارات.
والكثير منها نتاج اجتهادات وزارة الأشغال العامة، ومنها اجتهادات لأمانة عمان الكبرى والبلديات، وكلها تسهم في تخريب السيارات وتدميرها. والحاجة ملحة لأن تضاف تلك المهام الى المجلس الأعلى للسلامة المرورية ـ وأنا لست متفائلا بذلك ـ من أجل التعاطي مع الملف المروري بمنظور شامل، بدءا من تطوير آلية الرقابة ورقمنتها، والتعاطي مع القانون نصا وروحا، وبما يمكن من استكمال الحلقة بمنتهى الدقة وبكل التفاصيل وصولا إلى شوارع آمنة، ومرورا أكثر أمنا وتطبيقات تفرض على الجميع
تعديل سلوكهم المروري، واحترام الشارع والإحساس بأن الجميع مراقب، وأن أي تصرف مخالف يتم رصده ويحاسب مرتكبه.
فهل نحن قادرون على ذلك؟
اعتقد أننا قادرون.. المهم أن نحيط بكل تلك التفاصيل، وأن نطلق شارة البداية بالتزامن مع صدور القانون الجديد.