الجرعة الأولى من تعديلات إسرائيل القضائية
أقر الكنيست الدفعة الأولى من تعديلات على النظام القضائي الإسرائيلي بتصويت مبدئي قابل للاستئناف. وبموجب هذه التعديلات، تم إلغاء دور أو سلطة المحكمة العليا في إسرائيل من أن تلغي قوانين للحكومة بسبب "عدم معقوليتها"، وهو ما تعتقد حكومة اليمين المتشدد أنه تغول من السلطة القضائية على التنفيذية، في حين يشعر مناهضو التعديلات أنها إلغاء للتوازن بين السلطات، وإطلاق ليد الحكومات، كالمتشددة الحالية، وإعطاؤها يدا مطلقة في سن قوانين لتناسب أهواءها الإيديولوجية بما أنها تمتلك أغلبية سياسية بالبرلمان. ويضيف المناهضون، أن ضمان الديمقراطية في إسرائيل واستمرار حكوماتها بالانضباط القانوني، تسنى بسبب دور المحكمة العليا في مراقبة سلوك الحكومات وسلطتها في إلغاء القوانين غير المعقولة والتي تمس بالديمقراطية الإسرائيلية، ويشددون على أن هذا أمر ضروري للغاية، لأن حالة الاستقطاب السياسية الشديدة في إسرائيل تستوجب وتملي ذلك، ففي العديد من الأحيان، أتت حكومات مغرقة في يمينيتها أو يساريتها تريد سن قوانين لتكبل منافسيها، وهو ما أوقفته المحكمة العليا.
ما يحدث يعد من أكبر الأزمات بتاريخ إسرائيل، يضع ديمقراطيتها على المحك، ونتنياهو متهم أساسي بتسبيب ذلك كونه يواجه تهم فساد يريد أن ينهي حكومته السادسة وقد تخلص من هذه التهم. التعديلات أدت لإضرابات عمالية وتراجع الاستثمار نتيجة ذلك، وتراجع الطلب على العملة، وإضرابات للأطباء، وإعلانات سوداء في الصحف، وامتناع الاحتياط عن الذهاب للخدمة العسكرية. حالة غير مسبوقة أدت لإدانات كبيرة وأسف من قبل حتى أقرب الدول لإسرائيل. اليمين يتعسف ويتفرد بالحكم ويظهر وجهه الحقيقي، وهذا سوف يكلف إسرائيل كثيرا، وقد بدد بالفعل من صورتها التي رغبها العالم ودعمها بناء عليها. إسرائيل تتحول وتقترب من أن تكون ديمقراطية هشة، للتشدد والدين دور كبير في سياساتها، وليست علمانية بالمفهوم الغربي للكلمة، تقترب من حكم الشخص الواحد، الذي ما إن يحصل على أغلبية بالكنيست لا يستطيع أحد من النظام السياسي أن يوقفه.
الحكومة اليمينية المتشددة باتت تشكل خطرا ليس فقط على عملية السلام، من خلال الإمعان والإغراق بالاستيطان وتقويض حل الدولتين، بل أيضا تشكل خطرا على ذاتها لأنها تريد تحويل إسرائيل لدولة شبه ديمقراطية وشبه علمانية، للتشدد والتدين سيطرة كبيرة على انتخاباتها، وهذا ينبئ بلا استقرار إقليمي ومزيد من الابتعاد على السلام والاستمرار باحتلال واستعباد الشعب الفلسطيني، الذي في كثير من المحطات والحالات، كان للنظام القضائي الإسرائيلي دور في إعادة بعض الحقوق له من ملكية وإقامة وهوية والخروج من السجون والمعتقلات. لقد خاض كثير من الفلسطينيين معارك قضائية في إسرائيل وكسبوا كثيرا منها لأنهم برعوا باستخدام القوانين لصالحهم. التعديلات الأخيرة التي تغل يد المحكمة العليا تعطي اليد الطولى للحكومة في تشريع قوانين جنونية ضد أي شيء، بما فيها الشعب الفلسطيني دون أن يوقفها أحد.