وقفية الجامعة الأردنية تستحق الدعم
لا يستغربن أحد، عندما يعلم بأن جامعتين أميركيتين راقيتين، مثل «هارفاد» التي أفتتحت العام 1636، و»ستانفورد» التي أفتتحت العام 1891، قائمتان على نظام «الوقفية» أو التبرعات (Endowments) في مُجتمعاتهم، فهذا النظام مُنتشر في جامعات غربية كثيرة، تستعين بما يأتيها من ريع أو تبرعات لصرفها ضمن أوجه تعليمية، تبدأ من مُساعدة الطلبة المُحتاجين، وإعطاء منح للمُتفوقين، وتنتهي بدعم البحث العلمي، وتطوير البنى التحتية في تلك الجامعات.
وبلغت أصول التبرعات لجامعة «هارفرد» أكثر من 70 مليار دولار أميركي حتى العام الماضي، وتزاحمت معها جامعة «ستانفورد» لتبلغ أصول التبرعات لديها 75 مليار دولار.. وإذا ما أردنا التحليق إلى المملكة العربية السعودية فسنجد أرقاما قريبة من هذه في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، والتي وصلت أصول التبرعات لديها 25 مليار دولار.
وللعلم، فإن «هارفارد»، يبلغ عدد طلبتها نحو 20 ألف طالب وطالبة، وتمتاز بأن لديها كُليات الطب والهندسة والتربية والتصميم والفنون والإدارة الحُكومية والأعمال والقانون والصحة العامة واللاهوت.. أما «ستانفورد»، فتمتاز بالفيزياء والأحياء والهندسة والطب والقانون والسياسة وعلم النفس، وعديد طلبتها يصل لـ15 ألف طالب وطالبة.
في العام 2018، أطلقت الجامعة الأردنية وقفية خيرية إسلامية تحت مُسمى «وقفية الجامعة الأردنية»، مُنطلقة من ذلك لتحقيق أهداف عدة، أهمها: دعم العملية التعليمية، من خلال توفير منح دراسية للطلبة المُتفوقين والباحثين، وكذلك منح وقُروض حسنة للطلبة المُحتاجين، فضلًا عن تعزيز البحث العلمي، والتدريب، وتنمية المواهب والقدرات الإبداعية للطلبة والمُتخصصين في المجالات المُختلفة.
لكن وللأسف، وبسبب فيروس كورونا المُستجد، الذي ضرب معظم بقاع الأرض، ومن ضمنها الأردن، لم ير هذا المشروع «العظيم» النور حتى كتابة هذه السطور، لتُعاود «الأردنية» الكرة من جديد، حيث قامت بوضع الأسس الرئيسة، للانطلاق بهذه «الوقفية» إلى أبعد حد.
وليكون المُتابع أو القارئ على علم، فإن الكثير من مؤسسات التعليم العالي في الدول الغربية المُتقدمة، لم تترك وسيلة إلا وطبقتها، بُغية دعم مسيرتها العلمية والبحثية، ومن ضمنها «الوقفيات»، حتى أصبحت أحد أهم روافد تمويل التعليم في تلك الجامعات، والتي توصف بأنها «رائدة».
عزيزي المُراقب، لك أن تتخيل كيف يوجد دول غربية تُطبق نظامًا إسلاميًا في سبيل دعم فُقراء ومُحتاجين لإكمال تعليمهم العالي، وكذلك أبحاث علمية، حتمًا ستعود بفوائد جمة على البشرية جمعاء.. ونحن للأسف لا؟.
الجامعة الأُم (الأردنية)، تنبهت لذلك بعين المُخلص المُنتمي لوطنه، إذ بادرت لإطلاق تلك «الوقفية»، مُسجلة بذلك أنها أول جامعة على مُستوى المملكة تُقدم على مثل هذه الخطوة، حيث وضعت اللبنة الأساسية لمشروع، سيُحقق فوائد كثيرة لطلبة مُحتاجين، لا يقدر ذووهم على تأمين رسوم فصل، في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، مُتزامنة مع تراجع الدولة عن دعم الجامعات ماديًا.. فوائد سيجنيها طلبة مُتفوقون وباحثون، وبالتالي سيعود هؤلاء بالخير الكثير على جامعتهم أولًا، ثم وطنهم.
تلك «الوقفية» لم تنس دعم الأبحاث العلمية والمراكز البحثية، والتي تُعد من أساسيات تقدم الدول والنهوض بها، بُغية الارتقاء بها إلى مصاف دول مُتقدمة، رائدة في التطور العلمي والتكنولوجي.
وقفية تستحق الدعم من الجميع، الصغير قبل الكبير، طلبة ومُدرسين، مؤسسات المُجتمع المدني، شركات القطاع الخاص، فالتشاركية والتعاون والتضامن والتكامل من أساسيات الانتماء للوطن، خصوصًا إذا ما علمنا بأن «الوقفية»، مُستقلة مُحاسبيًا في مواردها ونفقاتها المالية عن الجامعة الأردنية.. ألا تستحق «الوقفية» الدعم المادي والمعنوي، خاصة إذا كان هدفها ساميًا محمودًا، من شأنه توفير بيئة تعليمية مثالية للطلبة والمُختصين.
«الوقفية»، وضعت أساسيات استثمار الأموال والتبرعات التي تأتيها من أهل الخير والإحسان، واستخدام عائداتها لأهداف أكثر من رائعة، أهمها وأولها تخفيف الضغط عن الطلبة وذويهم، من خلال توفير منح وقروض حسنة، وهذا لا ينطبق على الطلبة الأردنيين وحدهم، بل سيشمل في مراحل لاحقة أولئك الطلبة الدارسين من دول العالم الإسلامي.
إنشاء مبان، وقاعات تدريسية، وتطوير وتحديث الأجهزة والمُعدات الخاصة بالعملية التعليمية في الجامعة، أمور تستحق الدعم، وتسليط الضوء عليها، لتكون بداية لمشاريع أُخرى تعود بالنفع على الجميع.. كيف لا؟، ومن أهدافها تعزيز مُخرجات التعليم.