من نُصدّق في أزمة» التوجيهي»؟
حسين الرواشدة
من يتحمل مسؤولية ما حدث بامتحان التوجيهي: الوزارة،ام قطاع التعليم الموازي، أم الطلبة، أم المجتمع؟
لا يمكن الإجابة بمجرد وضع دائرة حول البديل الصحيح، المسألة تبدو أعمق من ذلك، يمكن فهمها بأكثر من سياق: الحالة العامة للتعليم في بلدنا، تراكمات الأخطاء بإدارة ملف التوجيهي على مدى العقود الماضية، توسّع سوق التعليم بالدروس الخصوصية، انسحاب وزارة التربية من ملفات تطوير المناهج و تدريب المعلمين، وتنامي فجوة الثقة بينها وبين الجسم التعليمي، ارتباك المجتمع بالتعامل مع التوجيهي، ثم «صدمة «المصير التي ترسخت لدى الطلبة والأهالي، اختزال العملية التعليمية لدى معظم الأطراف، بمعدل التوجيهي، دون الاهتمام بمراحل التعليم السابقة.
يمكن أن أضيف سياقات أخرى، لكن أستأذن بالإشارة لعدة ملاحظات على هامش ما حدث هذا العام تحديدا، وعلى مدى الأعوام الماضية أيضا، الملاحظة الأولى ان ما جرى من صرخات و نقاشات يمنحنا فرصة لرؤية صورتنا، أقصد صورة المجتمع وإدارات الدولة، على حقيقتها، كل طرف يلقي باللوم على الاخر، لا احد يتحمل المسؤولية، حدة الصراع غطّت بدخانها، على كل شيء، والضحايا، بالطبع، هم أبناؤنا الطلبة.
الملاحظة الثانية : في كل مرة تواجهنا أزمة التوجيهي، الامتحان والنتائج، نكتشف رداءة مستوى التعليم، وقلة اهتمامنا به، ثم نتدافع لتبادل الاتهامات حول من يتحمل المسؤولية، دعوات الخبراء الأكاديميين في العام الحالي مطابقة تماما لصرخاتهم بالأعوام الماضية، وهكذا يتوزع دم الفشل بين القبائل التعليمية، لنكتشف لاحقا إن امتحان التوجيهي ليس مجرد أزمة تحصيل علامات، وإنما أزمة تعليم، و أزمة أخلاق، وأزمة أولويات، وأزمة اصرار على عدم التطوير والتحديث.
الملاحظة الثالثة: صحيح، وزارة التربية تتحمل مسؤولية التعليم والامتحان معا، وهي مسؤولية تراكمت اخطاؤها عبر سنوات طويلة ماضية، وقد حان الوقت لنتصارح حولها، ثم نتناقش حول ما يلزمها من حلول، لكن أكيد مجتمعنا (الطلبة والأهالي) يتحملون قسطا من هذه المسؤولية، كما أن انفلات التعليم بشقيه الخاص والموازي( الدروس الخصوصية ) ساهم بإفراز حالة من الطبقية في التعليم، وحالة من البزنس التعليمي، وربما مافيات المنصات التعليمية، و أباطرة الدروس الخصوصية.
الملاحظة الرابعة: مشهد التوجيهي، بما فيه من اشتباكات واتهامات وتراجع للقيم والأخلاقيات، يعكس حالة مجتمع يحاول أن ينتقم من نفسه، إذا أردت أن تعرف ما آلت إليه أحوالنا بمعظم المجالات، وما فعلناه بأنفسنا، يكفي أن تتوجه إلى قاعات امتحان التوجيهي، لترى كيف تحول هذا الامتحان، الذي كان يشكل قيمة (أخشى أن اقول مقدسة ) لدى الأردنيين، إلى مهزلة مخجلة نتفرج عليها، للأسف، دون أن نحرك ساكنا، لا أتحدث،، فقط عن انفعالات الطلبة التي يصطادها الإعلام، ولا اتهامات المعلمين للوزارة والعكس، وإنما عن قصص تسريب الأسئلة، وأساليب الغش، وكأن مجتمعنا استسهل الشطارة والتجاوز على القانون، لمواجهة بعبع التحصيل والقبول بالجامعة.
الملاحظة الاخيرة: أعرف ان امتحان التوجيهي تحول إلى رُهاب عام(إرهاب أحيانا)، يدفع ثمنه أبناؤنا الطلبة، أعرف أيضا أنه ما زال يشكل المعيار الوحيد لتحديد مصير ومستقبل أبنائنا، أعرف ثالثا أن أبناءنا تحولوا إلى حقل تجارب، وأن ما يقال عن الارتقاء بمستوى الامتحانات، وكفاءة الطلبة، مجرد كلام مرسل لا علاقة له بالواقع، كل هذا يطرح علينا سؤالا يفترض أن نفكر فيه، وهو، من أهم : أبناؤنا ام الامتحان؟ الإجابة لدى وزارة التربية والتعليم.