الحياة الحزبية في الأردن

الدكتور حمدان غنيمات

يُشكّل توجّه الأردن اليوم نحو تحديث الحياة السياسية وهذا ما رأيناه من خلال وثيقة تحديث المنظومة السياسية الذي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني ، حيث تم إقرار النظام الدستوري ودخوله حيّز التنفيذ، وإقرار قانون الأحزاب السياسية مؤخّرًا، التي تندرج في تسلسل تحقيق هذه القوانين وإصدارها. وهكذا، فإن المرحلة القادمة على الحياة السياسية في المملكة الأردنية الهاشمية وفي سياقاتها الدستورية الناظمة أصبحت مُكتملة، متهيئـة ِ للبيئة التشريعية والسياسـية الضامنـة لـدور الشـبابِ المشـاركة في الحيــاة العامــة التي تتحقّق فيه ولو بشكل نسبي الحكومات البرلمانية المنشودة والمنتظرة في السنوات القادمة.

وبعيدًا عن تفاصيل القانون الجديد للأحزاب السياسية 2022، إذ جاء في هذا القانون تعديلات جديدة تختلف عما كانت عليه في القوانين السابقة، من حيث تعريف الحزب، والمرتكزات الأساسية لأهمية تأسيس الأحزاب، وتنظيم آلية وبرامج عملها، وغيرها من إضافات وتحديثات غير مسبوقة، حيث إنّ القانون بنسخته الجديدة أسهمت بتغيير النظرة التي كانت تسود فيما سبق على المجتمع بأنّ الإنضام والمشاركة بالحياة الحزبية وممارسته السياسية غير مرغوبة.

لقد كان الملاحظ أن المواطن الأردني وخاصة فئة الشباب فيما سبق يخشى من الانضمام إلى الأحزاب السياسية خوفا من مسائلتهم من قبل الجهات الأمنية، أو من قبل إداراتهم التي كانت تهددهم بفقدان وظائفهم وذلك نتيجة للضغوطات التي كانت تمارس على كل من يقوم بالاشتراك بالحياة الحزبية التي لا تتوافق مع أفكار والنهج العام مع سياسة الدولة الأردنية.

لقد فقد الشباب فيما مضى الأمل والشغف للإنضمام للأحزاب السياسية، ومن أهم تلك الأسباب هي التخوفات والأفكار والمعتقدات التي كانت سائدة وموروثة عن عائلاتهم ومحيطهم ، كون العقلية السابقة كانت تلاحق المنخرطين بالأحزاب في ذلك الوقت.

وأيضا نهج المدارس والجامعات القديمة التي أقصت ظهور الشباب بالحياة الحزبية، وذلك لأن المؤسسات الأمنية كان لها الدور الأكبر في عدم التحاق الشباب بالأحزاب السياسية رغم دعوة الملك المتكررة للانخراط في الأحزاب وخاصة فئة الشباب.

وفي ظل تعديل القوانين الخاصة بالأحزاب والانتخابات، نرى أن نسبة الشباب الأردني في إزدياد بشكل ملحوظ بالانخراط في أحزاب مرخصة بغض النظر عن ميولها أو الأفكار التي تحملها سواء كانت أحزاب معارضة أو غير معارضة وأن تخوفات الشباب من انخراطهم بالأحزاب تختفي تدريجاً بسبب زيادة الوعي والحماية لهم بقوة القانون.

إن الخريطة الملكية للأحزاب هي التي تدفع الشباب بيومنا هذا للانتساب لأحد الأحزاب، وأن من يريد الالتحاق بالأحزاب لا بد له من الإنخراط بأحزاب تحمل فكرا واضحا وحياة مستقبلية مدعومة ببرامج بناءة وأفكاراً هادفة نيرة ترفع من المستوى الاقتصادي والسياسي للبلد، ليكون هناك تنافس بين الأحزاب التي تريد تقديم خدمة أفضل للوطن والمواطن.

إن قانون الأحزاب الجديد يجرم كل من يلاحق أي شخص بسبب انتمائه الحزبي، فالتشريع واضح ولا مجال للتشكيك فيه، فقد كان الأردن في السابق يعتمد على مزاجية المسؤول الأمني، واليوم تغيب هذه الظاهرة إذ يمنع ملاحقة أي شخص ينخرط بأي حزب كان، داعياً القانون الشباب للانضمام بالأحزاب لأن مستقبل البلد سيعتمد على الحياة الحزبية.

ولابد لنا أن نذكر البرامج الواضحة والكبيرة للشباب التي تطرحها اليوم "الهيئة المستقلة للانتخاب" ومن ضمنها "أنا أشارك" و"الملتقى الوطني"، وأن هناك نسبة كبيرة من الشباب يشاركون فيها، ولها علاقة أساسية بالقيم والمفاهيم الديمقراطية والأحزاب وقوانين الأحزاب الجديد، وليس هناك من قيود تمنعهم من ذلك ولهم الحق بالانتساب لأي حزب مرخص.

أما عن أهم أعمال الأخزاب فهو بناء الثقة بالعمل الحزبي البرامجي القادر على إقناع المواطن الأردني بطروحاته ، للوصول الى برلمان قائم على الكتل والتيارات البرامجية، ما سيعزز الثقة بالسلطتين التنفيذية والتشرييعية خاصة همدما نصل الى برلمانات حزبية برامجية.

 وبنهاية القول نرى أن من لم ينضم إلى حزب مرخص سيبقى طيل حياته على هامش المشهد، وأن الشاب الأردني لا يمتلك الا أن ينخراط بأحزاب تمتلك البرامج المتطورة والحقيقية لا بأحزاب قديمة النهج وكلاسيكية البرامج، أو أنه سيبقى على هامش الحياية السياسية وهذا ما لا نتمناه، وهذا يعود إلا أن الطبيعة بحد ذاتها لا تحتمل ولا تمتلك الفراغ.