المارد والمواطن الأردني سعيد

كتب / احمد الفرجات ،،،

يحكى أن مواطنا أردنيا يعيش في عمان براتب 350 دينار مع أسرته، ويسكن بشقة بالأيجار في الحي الشرقي في صويلح، ويدفع أقساطا للبنك لما تبقى من ثمن الأفانتي، وعليه دين للأثاث ومصاريف أسرية، كان قد جمع مع زوجته بشق الأنفس على مدى خمسة سنين مبلغ 185 دينار شالوها لوقت العازة.

كان سعيد ينظر يوميا للمبلغ المرصود في الرف الأعلى من الخزانة تحت علبة مصاغ زوجته الخالية، ويغمره الفرح وتسكن صدره السكينة بهذا الإنجاز.

جاءت عطلة المدارس الشتوية وثارت مطالب أحلام وهناء والصغير شادي برغبتهم بزيارة العقبة ورؤية البحر، وأيدت الأم الطرح.

سعيد لا يريد تبديد رغبات أحبابه، ولكنه لا يريد أيضا خسارة مبلغ ال 185 دينار، فهو للعازة والطواريء فقط.

غلبت رغبة الأطفال والأم أرادة سعيد، وقرروا السفر للعقبة.

ركبوا الباص من مجمع سفريات الجنوب، وتبقى من المبلغ 170 دينار.

وصلوا العقبة، فباغتهم مطعم شعبي وطلب فاتورة أبقت معهم 150 دينار، ولم يكن للطعام عنده طعم ولم يكفي الأطفال وحدهم.

خلدوا للنوم في شقة مفروشة متواضعة وغير نظيفة لثلاثة أيام، ودفعوا سلفا أجرتها 90 دينار، فبقي معهم 60 دينار.

قاموا صباحا متشوقين في يومهم الأول، وأفطروا في المطعم ليبقى معهم 48 دينار.

أكملوا طريقهم للبحر سيرا على الأقدام ليوفروا المال لما تبقى من الرحلة، وشادي يبكي ألما من إحتقان أصاب حلقه، فدفعوا لكشفية طبيب الأطفال والدواء من الصيدلية 18 دينار ونصف.

بقي معهم 39.5 دينار فقط.

جاء وقت الغداء ولم يصلوا البحر بعد، وكان عليهم الإسراع بحل المضاد الحيوي بالماء لإعطاء شادي دواءه، دخلوا مطعما غير المطعم الأول والثاني، وقدم لهم طعاما أبقى مما كان معهم 23 دينار فقط.

نعس الأطفال، وقرروا العودة بتكسي طلب للشقة، فبقي معهم 21 دينار.

إشترى سعيد للأطفال من الدكان المجاورة بعض الأطعمة للعشاء وماء للشرب، فبقي معهم 16 دينار.

قاموا في اليوم الثاني منزعجين من تسرب مياه الحمام المسدود، ولكنهم ما زالوا متشجعين لرؤية البحر.

أفطروا فلافل وخبز مع إرشادات وتوجيهات مشددة بعدم الإسراف، وبقي معهم 13.5 دينار.

ساروا مشيا للبحر، وقبل أن يصلوا تغلغل مسمار مثبت في خشبة في قدم الزوجة، فأفقدها توازنها، وتعجلوا بها للمستشفى، وكانت التكلفة من أجرة تكسي وكشفية وعلاج آخر ما تبقى معهم.

سعيد مفلس في مدينة لا يعرف بها أحد، ومعه أسرة فيها طفل مريض وزوجة تمشي وتعرج وتتألم، ووقت غداء قد دخل، وأطفال جياع، وحلم لرؤية البحر لم يتحقق.

شد سعيد معنويانه، وشحذ الهمم، وقال سنمشي ومصل البحر، ونصطاد السمك ونشوي هالبحر.

 وصل سعيد مع أطفاله وزوجته بعد مسير بطيء مؤلم إستمر ساعتين ونصف للبحر، وجلسوا على شاطيء قهوة الغندور.

الأسرة تنتظر طعام الغداء الموعود، السمك المشوي عالبحر.

سعيد ينظر للبحر الخالي من السمك والمليء بالناس، ثم ينظر لعائلته بطفلها المريض والزوجة ذات القدم الملتهبة، وينظر لجيبه الفارغ، وينظر حوله متسائلا عن أي حل، والإجابة واحدة: لا يوجد أي حل.

بقي سعيد وأسرته التي غلبها العطش والجوع والتعب والنعس على الشاطيء الرملي حتى إنتصف الليل.

غادر الجميع البحر، وبقي القليلون في برد شباط، ثم غادروا، وبقيت أسرة سعيد وحيدة، والبرد يشتد، فلا يستطيعون السير للشقة، ولا يستطيعون النوم، ثم ما لبث أن نام الجميع على أنغام أمواج البحر التي بدأت تشتد.

وعندما شقت أولى لحظات الفجر بين ظلام دامس، رمت الأمواج على قدم سعيد زجاجة قديمة المنظر مسدودة بغطاء من الفلين الخشبي.

تملك سعيد الفضول، فتناول الزجاجة، وفتحها بصعوبة، وأرتجت وإهتزت، وخرج منها دخان بخاري أبيض كثيف، وخرج من بين ثناياه مارد عملاق مخيف المنظر، وثبتت الزجاجة، وتلاشى الدخان، ووقف المارد على قدميه العظيمتين، والصمت يعم المكان، ثم نظر إلى سعيد نظرة تدل على الرضى.

شكر المارد سعيد الذي حرره من الزجاجة التي حبسه فيها ملك المردة قبل آلاف السنين.

وقال له: شبيك لبيك، عبدك بين أديك، مر... تطع.

سعيد حاول أن ينهض ليصحو من هذا الحلم الغريب، لكنه لم يكن حلم، وكان حقيقة.

تشجع سعيد وماشى الوضع، وإستسلم للواقع، وبدد مخاوفه، وقرر أن يطلب من المارد كل ما يسعد أسرته.

شكى سعيد للمارد ما حصل معه، وقلة حيلته، وزادت رغبة المارد بالمساعدة.

قال المارد لسعيد لك ثلاثة مطالب تلبى فقط حسب قوانيننا.

وافق سعيد، وطلب مليون دينار، وقصر في دابوق، وسيارة مرسيدس، غاب المارد لثانية، ثم عاد بمفتاح للقصر وورقة ملكية به، وإقرار بنكي مصدق بحساب فيه مليون دينار، ومفتاح ورخصة المرسيدس، وسلمها لسعيد.

وعندما شق الصباح المدينة، ملأ صوت الغربان ضواحيها، وفاق سعيد وهو يشعر بالسعادة، والأسرة من حوله تتباكى جوعا وبردا وألما وحزنا وخوفا، ووقف على ركبتيه وفتح الكيس الذي جمع فيه أعطيات المارد ليبشر ويفرح بها الأسرة المرعوبة، ومد يده في كيسه وهو يجهز الكلمات ليقنعهم بما حدث معهم في ليلته.

كان في الكيس زجاجة بيرة فارغة، وبقايا سندويشات فلافل مأكولة، وفاين مبلل بقاذورات مشبوهة، كان كيس نفايات لمة شباب سهرانين على الشط.