الدباس يكتب: نداء الفاسدين

كتب الدكتور زيد الدباس/ عضو مجلس أمناء جامعة البلقاء سابقاً

يعفى الفاسد – باجماع جميع الاراء - من موقعه ويستمر في محاولة تخطي كل المسموح به ادبياً، ويتسلل ليقدم نفسه في ثياب الناصحين، بل أنه يقدم النظريات في التعليم والاقتصاد، ويناقش الموازنات ويطلب المناظرات. وفي عالم المناصب من الصعب ان تعثرعلى مسؤول سابق يعي هول فساده وغيه وظلاله، طالما أنه أدارالمؤسسة التي ترأسها بعقلية المزرعة والعصابات. ستجد الفاسد السابق يتحدث مثل ملاك باجنحة، وينتقد المؤسسة بشدة ويقدم الحلول الابداعية للمشاكل، بينما وهو فى موقع المسؤولية كان متورطاً فى كل ما ينتقده بعد اقصاءه من منصبه.

تبدأ محاولات الفاسد السابق بكيل التهم لمن خلفه، فتارة يتهمه بامانته البحثية وقدراته العلمية وتارة اخرى يتهمه بالشعبويات وضعف الاداء وتراجع المؤسسة. بيد أن مفهوم الامانة له رمزية خاصة لا تقبل القسمة على اثنين، فالانسان إما أمين وإما خائن. ذات يوم، وصف جلالة الملك عبدالله الثاني المدعو باسم عوض الله "بخائن الامانة". لم يناقش أحداً اداء عوض الله، بل ناقش الجميع خيانتة للامانة. وللخيانة أشكال مختلفة، كالتعدي على المال العام وابرام الاتفاقيات المالية الغامضة، وعقد الصفقات المشبوهة، وانتاج البحوث المشبوهة، وتأسيس العصابات المشبوهة التي لاهم لها الا تشويه كل من يناصب العداء للمسؤول، مقابل التكسب المادي الرخيص، وما خفي أعظم. فالخيانة أيضاً ربما تمر من خلال المحاباة سواء كانت تجارية او وظيفية او أخرى. وهي من أسوء أشكال الفساد لأنها تستبدل الحلال بالحرام وتستنزف المؤسسة ماليا واداريا، فحينما يقوم مسؤول سابق –مثلاً- بتعيين وتنصيب وترقية ذوي الذين حابهم ليتقدم أو يبقى في مواقع المسؤولية، فيكون قد أهلك المؤسسة وحطم مواردها وقتل كل ابداع فيها. والخيانة قد تأتي أيضاً عبر تخطي كل الثوابت القومية بشكل من أشكال التعاون مع اعداء الامة الصهاينة.

لقد اثبتت التجارب أن بعض المسؤولين الفاسدين السابقين هم أكثر الناس تغنياً بالانجازات الوهمية عبر وسائل الاعلام وعبر الضجيج المرئي والمسموع والترويج المخادع. وهؤلاء هم الأكثر خطراً على مؤسسات الدولة، ذلك لأنهم لا يعترفون بالواقع كما هو، بل يجملونه ويزينوه بما هو ليس حقيقي. مثل هؤلاء الشياطين لا يؤمنوا بان الانجاز يتحدث عن نفسه وأنه يظهر كظهور الشمس في السماء، بل يستمروا في النداء والتسلل محاولين اعادة انتاج انفسهم عبر كيل التهم للآخرين والكتابات الرخيصة واطلاق الالقاب والمسميات العلمية غير الرصينة على انفسهم لاقناع العامة بوجودهم. بئساً لهذا المسلك الذي لا يؤدي في نهاية المطاف الى نجاح ولا يؤسس الى رهان ناجح على ما ستأتي به قادم الأيام.

لا أستغرب أن اجد مسؤولاً معفياً او سابقاً ذات يوم يركض خلف "قطط الحارة" وهي تعتلي حاوية النفايات المجاورة لمنزله ظناً منه ان هذه الحاوية له وليست للقطط. ستجده مجبراً على بث السموم والاكاذيب ظناً منه أنه سيرد اعتباره الذي فقده او سيعيد منصبه الذي خسره، غير أن ذلك بات من أضغاث الحالمين. فعلى كل فاسد سابق أن يصلح نفسه مع الله عز وجل ويتوب له توبةً نصوحا، ويعيد ما نهبه من أموال، ويتفكر بما أقترفت يداه من اهلاك للحرث والنسل. ومن اعفي جبراً من موقعه عليه أن لا ينكر فضل المؤسسة عليه ليقوم بتشويه صورتها بكل جحود وان يدرك بأنه لا نداء لفاسد. 

 حفظ الله بلدنا من شر الفتن