صيف الأردن ينقلب إلى شتاء.. تقرير مناخي يرصد الأخبار المبشرة

تأثرت الأردن بأمطار صيفية متتابعة ونادرة الحدوث وتميزت بنطاق تأثيرها الواسع والغزير أحيانا والتي تسببت أيضا بموجة قوية من الفيضانات والسيول والتي فاقت قوتها معظم الحالات الشتوية الممطرة، وتبعت هذه الأمطار الصيفية النادرة موسما مطريا قويا وطويلا على غير العادة.

وكانت الأمطار الصيفية التي تأثرت بها المملكة غير مسبوقة في السجلات المناخية الحديثة، كونها واسعة التأثير ومتتابعة وقوية ومتزامنة مع انخفاض كبير على الحرارة، وتتساقط الأمطار الصيفية أحيانا على المملكة ولكنها تتميز بالمحدودية والفترة المؤقتة القصيرة وعدم تكرارها وهو عكس ما حدث في الفترات الاخيرة والذي أثار استغراب الشعب الأردني، وتشابهت الظروف الجوية كثيرا مع ما يحصل في شهر 11 وفترة الخريف على غير العادة.

هل ستتكرر الأمطار الصيفية هذا الصيف؟

وعبر تشغيل النموذج المناخي الخاص بمركز وسم الإقليمي يتوقع تكرار الأمطار الصيفية بمعدل مرة واحدة كل أسبوعين خلال الفترة المقبلة على أن يزداد تكرارها خلال شهر 8 ونهاية الصيف حيث يتوقع اشتداد التقلبات الجوية لتصبح إقليمية وواسعة النطاق والتأثير بشكل نادر الحدوث وذلك نتيجة دورانية غير اعتيادية للغلاف الجوي.

هل تعتبر الأمطار الصيفية مؤشرا على تغيرات مناخية هامة؟
سجلت المملكة تزايدا كبيرا على معدلات الأمطار منذ موسم 2014 وحتى الموسم الحالي حيث ازداد معدلات الأمطار بحدود 60% خاصة المناطق الوسطى من المملكة وذلك نتيجة التغيرات المناخية، ومن ضمن 9 مواسم مطرية سابقة، تم تسجيل 7 مواسم مطرية قوية على عكس ما يشاع في وسائل الإعلام المحلية التي تنشر معلومات خاطئة حول التغيرات المناخية والتي تسببت في خسائر فادحة في مختلف القطاعات، وتم تسجل امتداد المواسم المطرية لفترة أطول مقارنة مع السنوات السابقة، ولأن التغيرات المناخية تأتي على نتائج تراكمية، فالأمطار الصيفية الحالية تعتبر مؤشرا مهما على بداية اشتداد تأثير التغيرات المناخية على المملكة، ويتوقع أن تصبح "اعتيادية" خلال السنوات المقبلة وتصبح متكررة بشكل أكثر.

الأسباب العلمية

ولأن هذه الظروف الجوية غير مسبوقة في السجلات المناخية الحديثة، فيشاع في وسائل الإعلام أن المتسبب بها منخفضات خماسينية، وهي معلومات غير صحيحة، فالمنخفضات الخماسنية أنظمة جوية نوعية لها خصائص فريدة وتتشكل خاصة مع بداية ومنتصف الربيع.

ويعود سبب هذه الأمطار إلى انحراف مفاجئ وغير مسبوق حصل في حركة الرياح الموسمية في منطقة بحر العرب، والناتجة من انخفاض كبير في الضغط الجوي السطحي حول منطقة البحر الأحمر ومصر، ويعلل ذلك من تراجع كبير في شدة التيار النفاث شبه الاستوائي الذي ساهم في هذا التنظيم الجوي نادر الحدوث، والتيار النفاث هو عبارة عن تيارات هواء قوية تهب عبر الطبقات العليا من الجو على ارتفاع يقدر بين 10-13 كم فوق سطح البحر.

أن تراجع قوة التيار النفاث شبه الاستوائي يسبب تدفق الرياح الباردة بسهولة عبر الطبقات العلوية والمتوسطة من الجو، مما يساهم في عدم استقرارية الهواء في منطقة شرق البحر المتوسط، ينتج عن ذلك انخفاض الضغط الجوي في كل من مصر والأردن ومنطقة البحر الأحمر، يسبب ذلك تغير مفاجئ في مسار الرياح الموسمية في منطقة بحر العرب وتدفقها عبر البحر الأحمر، إن الظروف التضاريسية والجغرافية تساعد على خلق نفق هوائي قوي يأتي من الجنوب داخل البحر الأحمر، يحمل معه كميات كبيرة من بخار الماء.

عدم استقرارية الهواء وبرودته في الطبقات الوسطى والعليا من الجو يسمح للغيوم الركامية القوية بالتشكل وتساقط الأمطار، إن الظروف الجوية التي كانت تؤثر على المملكة غير مسبوقة في السجلات المناخية الحديثة، فالأمطار الصيفية التي تحدث بالأردن محدودة جدا وعلى نطاق ضيق وغير متكرر وهي تعود لاسباب محلية بالعادة وليست أسباب إقليمية.

هل تاثرت الأردن بمنخفضات خماسينية هذا الموسم؟

لم تتأثر الأردن بأي منخفض جوي خماسيني هذا الموسم وبشكل غير مسبوق، فتغير الخصائص في دروانية الغلاف الجوي غير مسبوقة في السجلات المناخية خلال هذا الربيع، وما حصل من كميات أمطار كبيرة خلال بداية ومننتصف الربيع هو بسبب منخفضات جوية متكاملة الخصائص ومتوسطية غير اعتيادية نتيجة وصول الهواء البارد القطبي بسهولة نحو حوض شرق المتوسط، وما حصل خلال بداية الصيف الحالي من تكرار الأمطار الصيفية نتيجة لمنخفض البحر الأحمر الحراري وامتداده نحو المنطقة بسهولة.

وتتميز منخفضات الخماسينية بأنها شديدة الجفاف وتسبب انتقال موجات غبارية كثيفة من مصر نحو المنطقة، ولكن لم يحدث ذلك في الأيام الأخيرة، وعوضا عنه، تساقطت الأمطار الصيفية المتكررة والمتتابعة وواسعة النطاق وانخفضت الحرارة بشكل كبير دون معدلاتها الموسمية تزامنا مع نشاط الرياح وإثارة الغبار في المناطق الصحراوية.

كيف تسبب الرياح الموسمية تساقط الأمطار في الأردن صيفا؟

ولأن الظروف الجوية الممطرة صيفا غير مسبوقة في السجلات المناخية الحديثة، فلا يوجد دراسات حول طبيعة هذه الأمطار أو الأنظمة الجوية التي تسببها، الرياح الموسمية هي رياح عالية الرطوبة بشكل كبير ومحتواها المائي كبير للغاية، تنتقل من منطقة المحيط الهندي وعبر بحر العرب نحو الهند صيفا وتسبب تساقط شديد للأمطار في تلك المناطق، فهي تنتدفع عبر سواحل الصومال ثم منطقة بحر العرب ثم الهند بسبب انخفاض الضغط الجوي بشكل حاد فوق جنوب الجزيرة العربية وجنوب منطقة جبال الهيملايا.

ونتيجة لانخفاض الضغط الجوي الكبير فوق منطقة البحر الأحمر ومصر في الأيام الأخيرة، تسبب ذلك في انحراف جزء مهم وكبير من الرياح الموسمية من منطقة بحر العرب واندفاعها إلى البحر الأحمر ثم مصر والأردن ومنطقة شرق المتوسط متسببة بحالات جوية شديدة ونادرة وموجات قوية من الفيضانات والسيول المتتابعة.

محتوى بخار الماء العالي للرياح الموسمية يترجم بوجود طاقة كامنة عظيمة، بمجرد حصول التكثف تتحول هذه الطاقة إلى طاقة حرارية في الهواء ثم تتحول مباشرة لطاقة حركية نتيجة وجود الهواء البارد في الطبقات العليا والمتوسطة من الجو، يسبب ذلك تكثفا إضافيا شديدا وإطلاق المزيد من الطاقة، يؤدي إلى عدم استقرارية الهواء بشدة وتشكّل السحب الركامية الضخمة.

يسبب ذلك تساقط كميات كبيرة من الأمطار وحبات البَرَد والرياح القوية أيضا، فوصول الرياح الموسمية إلى المملكة بهذا التتابع غير مسبوق في السجلات المناخية وسيصبح تأثيرها خلال السنوات المقبلة اعتياديا.

هل يعني ذلك زيادة معدلات الأمطار في الموسم المطري؟

إن زيادة معدلات الأمطار في الأردن أصبح ظاهرة مناخية واقعية وواضحة بسبب التغيرات المناخية، والتي حصلت بوضوح منذ موسم 2014، وازدادت مع السنوات الأخيرة، دورانية الغلاف الجوي تصبح أكثر نضوجا خلال موسم الشتاء.

ما يطلق عليها تموجات روسبي تصبح أكثر قوة ووضحا، ونتيجة لارتفاع حرارة منطقة المحيط الأطلسي وجزء من كبير من المحيط الهادئ فيتوقع أن يتسبب ذلك في انحناء واضح على التيار النفاث شبه الاستوائي نحو مصر وشمال السعودية ويسبب وصول الهواء البارد بسهولة نحو المنطقة وتزايد الحالات الممطرة القوية والمتطرفة على الأردن والدول المحيطة.

ارتفاع الضغط الجوي المتكرر فوق مناطق واسعة من أوروبا، سيسبب في دفع الكتل الهوائية الباردة بسهولة نحو منطقة شرق المتوسط ومصر والأردن، المرتفع الجوي الذي يتوقع أن يستمر فوق أوروبا خلال الموسم المقبل سيتميز بالقوة والصلابة والاستمرارية والذي سيمتد نحو نطاق واسع جدا من الدول الأوروبية وجنوب الجزر الاسكندنافية نتيجة لطبيعة عواصف المحيط الأطلسي الذي يتوقع أن تمتد نحو نطاقات واسعة من المناطق الشبه الاستوائية الأطلسية مما يسبب ذلك تموجات روسبي قوية وحادة وغير اعتيادية في المنطقة يدعمها ضعف التيار النفاث شبه الاستوائي.

ما يزيد الاهتمام هو توقع تغير مفاجئ على ما يطلق عليه التيار النفاث القطبي ( Polar Jet Stream) ، إن هذا النوع من التيارات النفاثة شديد الأهمية في المنطقة وهي تيارات قوية تهب على ارتفاعات أقل مقارنة مع التيار النفاث شبه الاستوائية، ويتقابل هذا التيار مع التيار النفاث شبه الاستوائي في فصل الشتاء فوق منطقة شرق المتوسط مسببة تشكّل عواصف شتوية قوية ونوعية تحمل معها كميات هائلة من الهطولات، إن هذه العواصف لوحدها قد تجلب ما يزد عن 80% من الموسم المطري في المنطقة والاردن بسبب قوتها ومحتواها الكبير من الهطولات بمختلف أنواعها.

التغير المفاجئ في التيار النفاث القطبي سيتسبب في ضعفه الحاد وتراجعه تزامنا مع تراجع التيار النفاث شبه الاستوائي مسببا تعمق العواصف الشتوية نحو نطاق واسع من المناطق الشبه الاستوائية وحوض جنوب شرق المتوسط بشكل نادر ومسببا انخفاض كبير على الحرارة وطول الفترات الممطرة وشديدة البرودة أحيانا خلال فصل الشتاء.

ما يزيد من قوة هذا الاحتمال هو اشتداد دورانية خلية هادلي بين منطقة غرب المحيط الهندي والصومال من جهة وشمال أفريقيا وشمال غربها من جهة أخرى، حيث تعمل هذه الظروف على تغذية المرتفع الجوي الصلب فوق القارة الأوروبية وتغيير طبيعة النشاط الأطلسي في المنطقة مما يسبب انحناء كبير في التيار النفاث وخلق تموجات روسبي قوية وذلك على شكل تموجات أوميجا التي تتميز بالحالات الجوية المتطرفة والقوية على المنطقة.

إن تراجع التيار النفاث القطبي سيسببه طارئ سيحدث في منطقة شمال المحيط الهادئ بسبب ظاهرة النينيو المناخية في المنطقة الاستوائية للمحيط الهادئ، يؤدي ذلك إلى حالات جوية متطرفة على غرب الولايات المتحدة وجنوبها وخاصة تكساس وكاليفورنيا وما يحيطها، وكذلك بنفس الوقت أقصى غرب القارة الأوروبية وجنوب غربها ثم لاحقا تركيا ودول شرق المتوسط واليونان ومنطقة الجزيرة العربية.

إن الظواهر المناخية الكبرى وتغيرها خلال الفترة المقبلة هو أمر مثير جدا للاهتمام وارتباطه بشكل كبير مع التغيرات المناخية الهامة في المنطقة والتي يتوقع أن تتعاظم بشكل كبير، إن النتائج الأولية من مركز وسم الإقليمي تشير إلى موسما مطريا قويا وطويلا وغير اعتيادي سيضرب المنطقة خلال الموسم المقبل والتي تستدعي مختلف الجهات والقطاعات البدء في التخطيط الاستراتيجي لاحتواء هذه الظروف الجوية القوية المتوقعة قدر المستطاع.

معدل درجات الحرارة في المحيطات خلال الفترة الأخيرة، وتوضح ارتفاعها بشكل حاد في المنطقة الاستوائية للمحيط الهادئ ، مع استمرار ارتفاعها في شمال المحيط الاطلسي وانخفاضها في المنطقة الاستوائية، هذه التغيرات ستسبب أنظمة جوية نوعية في العالم تعمل على زيادة تطرف الحالات الجوية الممطرة على منطقة الشرق الأوسط والأردن

ظروف مناخية مهمة ساعدت على وصول الرياح الموسمية خلال الصيف

ساعدت ظاهرة النينيو المناخية وارتفاع حرارة غرب منطقة بحر العرب أيضا إلى ضعف وصول الرياح الموسمية نحو الهند، وهذا كان سببا مهما في انحراف الرياح الموسمية بسهولة، وتسبب ذلك في موجة فيضانات مفاجئة في الصومال وأجزاء من السودان وأرتيريا ثم امتدت هذه الموجة نحو مصر والأردن ومنطقة شرق البحر المتوسط.

ظاهرة النينيو المناخية ستسبب اشتداد على التغيرات المناخية على المملكة وتزايد كبير على معدلات الأمطار خلال الموسم المقبل في مختلف المناطق وارتفاع فرصة الحالات الجوية المتطرفة، إن العلاقة بين الظواهر المناخية الكبرى والتغيرات المناخية هي علاقة طردية، فتعمل هذه الظواهر المناخية على اشتداد التغيرات المناخية وتضخيمها بسرعة، فلذلك يتوقع أن يشتد تأثير الحالات الممطرة المتطرفة على المملكة خلال الموسم المقبل وتزايد معدلات الفيضانات والسيول بشكل قد يكون غير مسبوق في السجلات المناخية الحديثة.

كيف يتم التعامل مع التغيرات المناخية الجديدة؟

متابعة المصادر الصحيحة والعلمية الدقيقة هي أولى الخطوات المهمة في التعامل الصحيح مع التغيرات المناخية، فوسائل الإعلام المحلية ساهمت بشكل كبير في زيادة الخسائر من التغيرات المناخية الأخيرة عبر نشر معلومات خاطئة، وعبر التعامل مع الظروف الجوية المتطرفة بشكل غير احترافي، إن متابعة المصادر الصحيحة والعلمية يساعد كثيرا في الاستعداد للظروف الجوية القوية والمتطرفة ومعرفة شدة الحالات الجوية المتوقعة.

التغيرات المناخية لا يمكن ايقافها، لأنها ظروف طبيعية قوية، وجزء كبير من التغيرات المناخية هي طبيعية ناتجة من دورات مناخية مهمة في الغلاف الجوي تحدث عبر الاف السنوات وربما مئات الألاف من السنوات، كما يؤثر النشاط البشري على تضخيم هذه التغيرات المناخية وزيادة ضررها وتسارع تأثيرها.

التأقلم هو الحل المثالي مع هذه التغيرات المناخية، فزيادة معدلات الأمطار وامتداد المواسم المطرية لفترات طويلة في جزء كبير من منطقة الشرق الأوسط يستدعي اللجوء إلى تحسين الحصاد المائي والتأقلم الزراعي مع الظروف المناخية الجديدة، تشجيع المزراعين على زراعة الكثير من المحاصيل التي تستفيد من كميات الأمطار الكبيرة.

الأمطار لا يتوقع أن تكون فقط حكرا على فصل الشتاء، بل ستمتد إلى فترات طويلة من العام نتيجة التغيرات المناخية في العديد من السنوات إلى أن تصبح ظروف مناخية اعتيادية.-(نقلا عن موقع وسم)