علي الفزاع: وترجل فارس القلم والموقف
لم يكن يحب الظهور الإعلامي وصخبه، رغم أن الإعلام والكتابة والأدب كانت في صميم تخصصه وشغفه وحرفته التي آمن بعظيم أمانتها.
عمل لأكثر من أربعة عقود مستشارا خاصا في خدمة الراحل الكبير، جلالة الملك الحسين بن طلال، رحمه الله، وجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، أدام الله مجده وأعز ملكه.
كان يؤمن بالهدوء والحِلْم والأناة، سواء في العمل أو في حياته الشخصية، وكان هذا ديدنه كلما تعاظمت التحديات، مؤمنا يقينا أن الوطن استطاع دوما، بحكمة وشجاعة قيادته الهاشمية، عبر العقود، من قلب التحديات إلى فرص والمضي في مستقبله المديد، حتى أضحى ثابتا من ثوابت القرار والعمل الإقليمي والدولي.
كان من أصحاب المواقف الواضحة، التي لا لبس فيها، في حبه وإخلاصه وتفانيه في خدمة العرش الهاشمي، مدافعا بالكلمة، التي لم تحد يوما، عن مواقف الوطن وقيادته الفذة في مختلف الظروف وأصعبها.
تلقاه، رحمه الله، فترى الابتسامة والهيبة في محياه، بعيدا عن خصومات معترك الحياة العامة، رغم أن مثله يحسد من أقرانه على ما حققه في حياته من إنجازات، كان أعظمها، كما كان يفتخر دوما، ثقة القيادة بإخلاصه وشجاعته في اتخاذ القرار، معتبرا الأمر وسام فخر على صدره مدى الحياة.
عشق القلم، وأحب الشعر والأدب، فجاءت أعماله الأدبية محبكة السبك والمضمون والغاية، حتى أضحت منارة ينهل طلاب العلم والأدب منها، خصوصا دواوينه الأشهر "نبوءة الليل الأخير"، و"مرثية للمحطة الثالثة" و"الرهان الأخير".
تأثر بالأديب الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا، حتى أنه ألف دراسة تناولت فنه القصصي تحليلا، مؤمنا أن جبرا، الذي كان مولعا بالشاعرين بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي، كان خير نموذج للأديب متعدد المواهب، وكان ينظر إليه على أنه من أسهم في تقديم تراجم راقية بالعربية للأعمال الأدبية العالمية، ومنها مسرحيات شاعر الزمان الخالد، الإنجليزي وليام شكسبير، ومن أهمها "العاصفة"، "الملك لير"، "عطيل"، "مكبث"، و"هاملت".
تعلمنا منه بعد النظر في تقليب الأمور على مختلف الأوجه، وصولا إلى ما أمكن من التفاني في خدمة الصالح العام، بعيدا عن حسابات المصالح الشخصية وبوصلة الربح والخسارة.
لم يتوان يوما عن تلبية نداء الواجب، فكان ممن يعتد برأيهم وحكمتهم في أحلك الأوقات وكلما اشتدت الخطوب.
استمر في عمله في الديوان الملكي الهاشمي، حتى داهمه المرض الذي لم يمهله إلا أشهرا معدودة لتلقى نفسه خالقها راضية مرضية بإذن الله.
لم يخف من الموت. فهو من المؤمنين بقضاء الله وقدره مهما طال العمر وتعددت الأسباب.
حق له بعد مماته الإشادة بمناقبه الحميدة، فقد جسد، طيلة حياته، نموذجا للمسؤول المهني الصادق الملتزم برسالة وطنه وقيادته. له الرحمة أوسعها، ولنا من بعده الصبر والسلوان.