ظاهرة تشييء النساء

أماني حماد

بعض الرجال لا يستطيع أن يرى المرأة إلا شيئاً من الأشياء، لا أهمية تذكر عنده لما بين كتفيها من استنارة أو معارف، لكن عنده اهتمام جدّي بما بين كتفيها جنوباً. لا يعنيه في أي سياقٍ التقاها، ففي نظره سيّان إذا تعرّفَها في مؤتمر علميّ، أو في ساحة الرقص في سهرةٍ ما، فما سياق اللقاء إلا أحد أدوات الاستدراج الرخيص، التي يستعين بها افتتاحيةً لحوار ينسجه. لا يستوعِب المُشّيّء أنك ومعشر النّساء متمَرِّساتٌ في اكتشافه وقومه، وأنّكنّ تعرفنَ تماماً ماذا سيقول ومتى، وأن النمط أصبح مكرّراً بشكلٍ مُمِل، كمحاصَر في حلقة زمنية  temporal loop، ولكنها ليست حلقة مسلية مثل تلك التي عاشها بيل موري في فيلم groundhog day. غرور مفرط، مسبِّب للعمى، مُفْسِدٌ للمنطق يجعل صاحبه لا يدرك انفضاح خطته، وابتذال معانيه، ولا يرى أيضاً أنه يُهْمِل الجوهر الثمين ويلهث وراء قشرة ملونة، براقة، ولكنها مهما بدت جميلة… قشرة أيها الضحْل!

يُفقِد التشييء ذاك الضحل التعرف على إنسان جميل حقاً، ولكن الخاسر الأكبر، هو نحن جميعاً. نخسر تلك المرأة، أو بعضها. ذلك أن المرأة المُشيّأة، تتدرب على خفض سقف طموحاتها الذاتية، وقد تنسحب من المعارك قبل أن تبدأها، وتكتفي باختصار طاقاتها ووقتها في انخراط فردي أمين العواقب، يجنبها التصادم مع الضحلين جملةً وتفصيلاً. أما إذا اختارت أن تمضي في مسيرتها وتتخطى المزعجين، فإنها ستُنهَك حتماً، وهي تخصص فكراً وجهداً لاحتساب حركاتها بميزان دقيق، تدير أي حوار بسيط بكلمات محدودة، مدروسة، لكي لا تعلق في محض سخافة وإسفاف، تحتمي وراء ترسانة من التصرفات المبالغة بالحرص لألا تستثير افكار الضحلين القذرة. يجب أن تصمم خطتها الاكاديمية، وتطورها المهني، وحتى تسوقها من البقالة، متحركةً على رؤوس أصابعها، مبتعدةً قدر الإمكان عن معشر الضحلين. أو أن تتعلم فن الانزلاق الرشيق، بعيداً عن ضوضاء تفاهتهم، وكلماتهم المفتاحية الرخيصة، ونظراتهم  الثاقبة. إذا لم يبعدها كل ذلك عن الميدان، ولم يحطّم شيئاً ما في داخلها، فربما في سن متقدمة، أو بعد عدد من الصدمات والإزعاجات، تتمرّس فيها على تمييزهم، وتتعلم كيف تحيّدهم مسبقاً، وتطوِّر أدوات الثقة بالنفس في مجتمع لا يتسامح كثيراً مع امرأةٍ واثقةٍ بنفسها أكثر مما يجب…ستنطلق، متأخرة قليلاً، ومنهكةً كثيراً.

سأبوح لكِ بسرّ يا صغيرتي؛ بعد تجارب عديدة، مزعجة، تعلمت أن هؤلاء جبناء، مثل الطحالب، لا تنمو إلا في الظلام والهدوء، يزعجها الوضوح والنور. فدعي عنك أذاهم، وإياك أن تُصغّري كتفيك، أو تُصعّري خدك، استرضاءً لمكانك المستحق على الطاولة. املكي الأماكن، ولا تُبالي بنظراتهم، ولا تتعثري بكلماتهم السطحية، وفي غض خبراتك، لا تنخدعي بحلو الكلام المعاد التدوير، الذي لا يسعى صاحبه سوى لتعليق صورتك، إلى جانب صور ضحايا مغامراته الأخريات، كما يعلق الصياد رؤوس فرائسه على حائط تذكاري. أنت يا غاليتي أجمل مما يرَوْن وأذكى مما يظنُّون وأَطْهَر مما يُسِرُّون. إن الذي لا يستطيع أن يحمل محادثة ناضجة، تحترم كيانك وعقلك دون التعريج باستمرار  على جسدك وشكلك، والذي إذا صددته بأدب استنفر ونفش ريشه، أو ادعى دور الضحية، ليس جديراً بدور في قصتك يا غاليتي، أسقطيه من النص مع سبق الإصرار.