في التمكين والرعاية الاجتماعية

ابراهيم غرايبة


لا يمكن الحديث عن تمكين المجتمعات ورعاية الفئات الاجتماعية المتضررة من الواقع والسياسات (النساء وكبار السن والفقراء والمهمشون والمعوقون،..) فضلا عن نهضة أو تنمية أو ديمقراطية أو إبداع وريادة من غير منظومة عمل وضمان اجتماعي ورعاية اجتماعية تشمل جميع المواطنين. ماتزال مؤشرات العمل والضمان الاجتماعي لدينا تؤشر على فجوة كبيرة، فما يزال أكثر من 60 % ممن تجاوزت أعمارهم الستين عاما لا يتمتعون بمعاشات تقاعدية، ونسبة النساء من هؤلاء أغلبية كبرى، وماتزال أيضا حالة التهميش والفقر والهشاشة في ظل واقع الرعاية والضمان الاجتماعي والرواتب التقاعدية المتوقعة والتغيرات الجارية في سوق العمل وطبيعته مرشحة للاستمرار وربما التزايد. وحسب البنك الدولي فإن الحد الأدنى للحماية الاجتماعية ضد الفقر يتمثل بمنظومة تأمينات اجتماعية وتشغيل.

ثمة حالة من التواطؤ أو غض الطرف عن التجاوزات في سوق العمل تجعله يعمل ضد المجتمعات، مثل التحايل على الحد الأدنى من الأجور وعدم الاشتراك في الضمان الاجتماعي وتشغيل أعداد كبيرة من العمالة الوافدة والسائبة ساعات عمل طويلة وبلا عقود ولا اجور كافية ولا اجراءات سلامة، ويبدو أن لوبيات المصالح التجارية قادرة على اختراق منظومات الرقابة والمتابعة، وربما تجد الحكومة في ظل هذا الواقع المزري حلا لمشكلة البطالة!
مؤكد بالطبع أن تنظيم سوق العمل يجب ألا يكون سببا في زيادة البطالة أو الإضرار بالأسواق والأعمال، ولا بد أن لمنظومة العمل غير الرسمي فوائد اجتماعية واقتصادية، لكن المحصلة النهائية لتنظيم وحماية سوق العمل ستكون في صالح التقدم في التنمية ومستوى المعيشة؛ بغض النظر عن التضحيات والخسائر الناتجة، وتظل مؤشرات التشغيل وعدالة التوزيع الاقتصادي معيارا قياسيا للتقدم الاجتماعي الاقتصادي. وثمة علاقة واضحة إحصائيا ودلاليا بين التقدم في التنمية الإنسانية والاقتصادية وبين فعالية أنظمة العمل والرعاية الاجتماعية.

تنعكس منظومة الحماية الاجتماعية بشكل واضح على منظومات التعليم والصحة والناتج المحلي ومستوى المعيشة، فمن المؤكد وكما تظهر المؤشرات الفرعية للأماكن والفئات الاجتماعية أن للتسرب من المدارس وحالات الجريمة والإدمان والتفكك الأسري وحوادث المرور علاقة بالحالة الاجتماعية والاقتصادية، وأشارت تقارير وملاحظات عالمية أن نسبة التعرض لحوادث المرور تتضاعف في البلد الواحد لدى الفئات المهمشة والفقيرة. كما تتحسن أيضا منظومة السلوك الاجتماعي واحترام القوانين بعلاقة إيجابية تبعا للتحسن الاجتماعي الاقتصادي.

تساعد أنظمة قواعد البيانات المحوسبة والمشبكة والبطاقات الالكترونية في الوصول بكفاءة إلى الفئات المستهدفة وتنظيم الدعم المالي والغذائي والاجتماعي للمحتاجين بتكلفة أقل بكثير من أنظمة العمل التقليدية (صارت تقليدية) كما أنها تزيد من الشعور بالكرامة والاحترام لدى المواطنين المحتاجين، ومؤكد أن الكلفة الاجتماعية والاقتصادية للشعور بالإهانة والتهميش كبيرة جدا على الأمن الاجتماعي، وترتبط بالكرامة مؤشرات عن التسول والانحراف الاجتماعي وكذلك الانتماء والمشاركة والغضب والكراهية، وكذلك أيضا باتجاهات العاملين نحو المؤسسات المشغلة وحرصهم على قيم العمل واحترام المؤسسات والمرافق العامة والخاصة.

هناك جهود مؤسسية ومالية ملحوظة ومقدرة رسمية ومجتمعية ودولية للتكافل والضمان الاجتماعي، ولكن التقدير والملاحظة العامة للفقر والأزمات الاجتماعية تؤشر أن العائد من وراء هذه الأعمال أقل من الإنفاق والجهد، وأخشى من القول إن مصالح جديدة تتشكل في العون الاجتماعي حول الظواهر والحالات المفترض مواجهتها والتقليل منها، وتجري أيضا عمليات استثمار إعلامية ومبالغات وتضليل تربك العمل الاجتماعي، وتقلل من الثقة بين المجتمعات والمؤسسات الاجتماعية، وتضر بمصداقية كثير من الأعمال التنموية.