ألغاز وقيود العلاقات الأردنية الأمريكية

كتب بسام البدارين

تكشف يومياً وقائع ما يسمى بالعلاقات الاستراتيجية بين الأردن والولايات المتحدة عن المزيد من الألغاز وأحياناً القيود. تلك علاقات انتقلت في مستواها خلال العامين الأخيرين لاتجاهات لم تكن مسبوقة عملياً إلى مناسيب في الاستنتاج والتحليل تفترض بأن المكاسب السياسية والأمنية الناتجة عن هذا المسار الاستراتيجي والذي يعبر عنه بصفة يومية السفير الأمريكي في الأردن هنري ووستر، وصلت إلى مراحل متقدمة لم تكن مسبوقة.

لكن ذلك قد يعبر عن إشكالات ومحطات تنطوي على قيود بعضها ظاهر في المجال السياسي الآن، وبعضها ظاهر قليلاً في المجال الاقتصادي والمالي، لكن أغلبها وأهمها قد يظهر لاحقاً.

في فهم الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، فإن الفارق واضح بين إقامة علاقات طبيعية أو حتى تحالفية مع الولايات المتحدة أو مع غيرها، وبين التأسيس لحالة تنتهي بسيطرة الولايات المتحدة على مسارات القرار الاقتصادي والسياسي الأردني.

هذا الفارق يؤدي إلى حالة تموقع جيو سياسية واقتصادية تحد من إمكانات الأردن الدولة، لا بل قد تضعفها – في رأي العضايلة- في سياق مقاربات أو حتى استدارات مطلوبة، خصوصاً في ظل التعامل مع تداعيات التطورات الحادة في الإقليم والعالم.

يربط عضايلة وآخرون بينهم الدكتور ممدوح العبادي، بين مقتضيات البقاء في حالة استراتيجية مع الولايات المتحدة وبين الإخفاق في إنجاز “استدارة حقيقية” في القضايا والملفات الإقليمية الأساسية والمفصلية أو في الحالات الطارئة. مثلاً، لاحظ العبادي في ندوة عامة بأن المساعدات المالية المدفوعة لا توازي أو تساوي علاقة استراتيجية قوامها وجود 12 قاعدة عسكرية في الأرض الأردنية.

وقبل ذلك، كانت “القدس العربي” قد استمعت لرأي آخر يمثله الخبير الاقتصادي المتابع الدكتور أنور الخفش، معتبراً المستوى التحالفي ومن باب التحليل المنهجي إنجازاً حقيقياً يؤدي إلى الانتقال في العلاقات الأردنية الأمريكية إلى مسارات أبعد من التضامن بالمعنى الاقتصادي وبالمعنى الأمني.

في بعض اللحظات طرح الدكتور الخفش سؤالاً قديماً وقبل التطورات الأخيرة في إسرائيل، بخصوص ملف القواعد العسكرية الأمريكية الكبيرة والمتعددة التي أقيمت في الأردن مؤخراً، وبخصوص توقيع الإدارة الأمريكية لمذكرة لعدة سنوات تضمن تدفق المساعدات الأمريكية المتفق عليها أمريكياً: هل تعني خطوات من هذا النوع أن اليمين الإسرائيلي مهما حكم وتطور في الحكم واقترح المشاريع، لا يمكنه أن يعتدي على الأردن الدولة.

بمعنى تلميحي، جزء من وظيفة ومهام القوات العسكرية الثابتة اليوم بقواعد عسكرية كبيرة في الأردن لماذا لا يفترض المقترضون أن الهدف من وجودها حماية الأردن حتى من اليمين الإسرائيلي وليس من الإرهاب فقط، أو إضافة صنف من التوازن على علاقات الأردن مع بعض الدول المكروهة أمريكياً مثل إيران.

وفي كل حال، الجدال نخبوياً كبير في الساحة الأردنية. وبرأي العبادي العلني، لا يحقق الأردن مكاسب حقيقية جراء هذا النوع من العلاقات الاستراتيجية والعسكرية. تلك بكل حال مسألة حمالة أوجه؛ فالوقائع تشير إلى أن الإدارة الأمريكية هي المساعد الوحيد اليوم في العالم للأردن، الذي يقدم للخزينة الأردنية مباشرة. وقد أقر وزير المالية محمد العسعس بأن الخارطة المرتبطة بالمساعدات المالية والاقتصادية الخارجية يوجد فيها اسم واحد اليوم تقريباً بشكل دائم ويضمن الاستمرارية، وهو الولايات المتحدة.

هذه الوقائع خاضعة للنقاش الآن، لكن ومع التحديات التي فرضتها إيقاعات أجندة حكومة اليمين الإسرائيلي ثم الاتفاق الإيراني السعودي العملاق، اضطرت الصالونات والأوساط السياسية الأردنية لطرح سؤال مركزي عن جدوى وإنتاجية البقاء في حالة تحالفات غير منتجة.

وقاد السؤال إلى سؤال آخر مستنسخ حول ماهية وملامح وهوية تلك القيود التي نتجت عملياً وتلقائياً، وأحياناً عشوائياً عن هذا الارتباط الاستراتيجي بسياسات الإدارة الأمريكية في المنطقة والإقليم، حيث خسائر أولاها على محور العلاقات مع روسيا، ثم مع محور العلاقات مع إيران وسوريا.

ومن ثم مع لبنان والعراق، حيث مصالح للأردن اقتصادياً متأثرة بهذا الاصطفاف الإقليمي السياسي الكبير أردنياً إلى جانب الولايات المتحدة.

لا أحد حقاً يطالب الأردن بالانسحاب من حالة الدوران في الفلك الأمريكي، لكن النقاشات اليوم تتحدث عن طبيعة وزوايا هذا الدوران وعن مكاسب وخسائر هذا الدوران في الإدارة الأمريكية لا تتدخل بما يكفي لحماية المصالح والثوابت الأردنية الأساسية، خصوصاً في المعادلة الفلسطينية مع إعلان اليمين الإسرائيلي لحالة العداء والخصومة.

مثل هذا النمط من النقاش حول جدوى وإنتاجية ما يسميه العضايلة وغيره التبعية للقرار الأمريكي، قفز إلى سطح الحدث أردنياً بوضوح مؤخراً.

وثمة أسباب دفعت للاعتقاد بأن حجم المكاسب المتحقق، بما في ذلك المساعدات المالية والاقتصادية والتنسيق، يقابله في الواقع خسائر من الصنف الذي لا بد من تأمله.

الأردن بسبب طبيعة علاقاته وارتباطاته بالأمريكيين، لا يحصل على مساحة مستقلة فعلاً في الرد على اليمين الإسرائيلي وتأطير مصالحه في المسارات الفلسطينية. وبسبب ارتباطات تلك العلاقات، الأردن أيضاً يواجه قيوداً في الانفتاح على دول مهمة في المنطقة مثل إيران وتركيا. والأردن بسبب تلك العلاقات محروم تماماً من ورقة الاستقواء بموقف شعبي داخلي موحد تجاه الملفات الأساسية في الإقليم والمنطقة.

وأيضاً بسبب الصنف الجديد من العلاقات الاستراتيجية على فوائده ومكاسبه، عمان محرومة اليوم من الاستثمار في أوراق صراع تخدم مصالحها. لذا، التصنيفات الدولية والإقليمية تلحق ضرراً، لكن حجم المكاسب لم يعد من النوع والطراز الذي يخلق أو ينتج حالة طمأنينة عند المواطن الأردني.