العناوين “الصيادة” تغتال الإعلام الجاد..!

علاء الدين أبو زينة

ينبغي أن تعبّر عناوين الأخبار والروايات، والكتب والمقالات، عن المحتوى ببلاغة وبأقل عدد من الكلمات. وفي أمثالنا نقول: “المكتوب يُقرأ من عنوانه”، وهو قول بليغ في الحقيقة، حيث توحي السطور الأولى بطبيعة الوجهة المتوقعة. وحتى العناوين الجغرافية يمكن أن تقول أشياء: من المؤكد أن الملامح الشخصية لقاطن أحياء الفلل والشقق الفخمة تختلف عنها عند ساكن أحياء الصفيح؛ والمواطن في دولة اسكندنافية غير مواطن يهاجر من بلده الفقير عن طريق التهريب.

في الصحافة والإعلام، اختيار العنوان فن وقواعد. ينبغي أن يكون العنوان جذابًا وموجزًا وأن يرحب بالقارئ أو المشاهد إلى المحتوى. لكن ذلك لا يعني أن يكون العنوان “رخام” والمحتوى “سخام” كما هو الاتجاه الشائع بقوة في الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي. في هذه المنافذ، أصبح “فن العنوان” يعني البراعة في خداع الزائر واستغلال الفضول البشري لاستدراجه إلى استهلاك المحتوى بوعد كاذب.

مثلاً، لاحظوا هذا العنوان في قناة يوتيوب رياضية: “ميسي قرر مستقبله وفاجأ الجميع: “أنا أفعل هذا من أجل أطفالي”. أما في متن الخبر، فلا قرر ميسي شيئًا ولا قال أي شيء، بما في ذلك العبارة بين علامات التنصيص المنسوبة إليه، وإنما يحلل مؤلف الخبر وضع ميسي في ناديه الفرنسي ويقترح أن أفضل خيار له سيكون العودة إلى ناديه السابق. وما أكثر هذا النوع من العناوين التي هي عكس المحتوى تمامًا في مجال الصحافة الرياضية، وفي المواقع الإلكترونية الصفراء، وقنوات يوتيوب الصفراء وبقية تطبيقات التواصل.

في موقع إخباري محلي ستجد: “الأردنيون على موعد مع الثلوج نهاية الأسبوع في هذه الأماكن”. وفي المتن تقرأ أن المتنبئين الجويين استبعدوا سقوط الثلوج على الأردن في نهاية الأسبوع، وقالوا إن بعض المرتفعات العالية جداً في الجنوب قد تشهد أمطارًا ممزوجة بثلوج غير متراكمة لفترات وجيزة. وعنوان في موقع آخر: “خبر سعيد سيغير حياة الأردنيين.. هذا ما سيحدث يوم الخميس والذي انتظره الكل منذ بداية رمضان”!! سيريد الزائر أن يعرف ما هو هذا الذي سيغير حياة الأردنيين يوم الخميس. هل عثروا على كميات تجارية من النفط والغاز في الأردن؟ هل قررت الحكومة تسديد ديون كل الأردنيين للبنوك؟

إنه أكثر من ذلك: سوف تقام فعاليات رمضانية، رياضية وثقافية في أماكن في المملكة. وستفكر في كل معارفك وأقاربك، لعلك تجد بينهم أحداً ستغير هذه الأنشطة حياته. صحيح أن نسبة صغيرة من الأردنيين قد تشارك أو تشاهد مباريات خماسي كرة القدم، أو تحضر قراءات شعرية، لكن حياتهم ستتغير فقط بقدر ما تعنيه انخراطهم في نشاط غير روتيتي مؤقت. لا يمكن أن يكون هذا خبرًا سعيدًا يغير كل حياة الأردنيين. (بالمناسبة: أخذ الخبر موقع مصري، من بين مواقع أخرى).

لهذه العناوين اسم في الغرب: “طُعم النقرات” أو “صيادة النقرات” clickbait. وحسب وكالة رويترز: “قال آدم موسيري، نائب رئيس إدارة المنتجات في صفحة الأخبار بفيسبوك في مقابلة أن الشركة تتلقى آلاف الشكاوى يوميًا بسبب العناوين “صيادة النقرات”. وهي العناوين الإخبارية التي تحجب معلومات أساسية عمدًا أو تضلل المستخدمين لدفعهم إلى النقر على روابطها”.

في الحقيقة، لا نعرف كيف يعود أحد إلى زيارة موقع أو قناة وقع فيهما مرات في مصيدة العناوين الكاذبة. الأمر يشبه أن يستأجر المرء حِرفيًا ليصلح له شيئًا في بيته، ويكتشف أنه غشه في الأجر وسوء الخدمة ونصب عليه، ثم عاد فاستأجره. حسب المنطق، ينبغي أن يخدع الغشاش كل زبون مرة واحدة، بحيث لا يعود هناك من يستخدمه أو يوصي به. ولكن، يبدو أن المغفلين لا ينفدون. ومنهم بالتأكيد زوار مواقع العناوين الكاذبة التي تستهلك وقتهم، وتكشف غفلتهم، وتُكسب فنان العناوين الصيادة “نقرات” تجلب له المال من شركات وسائل التواصل ومحركات البحث -وغالبًا نقود المعلنين الذين سيفضلون الإعلان في مكان “مقروء” وكثير الزائرين على حساب مصادر الأخبار الرصينة والمسؤولة.

بل إن هناك العناوين الكاذبة والمحتوى الكاذب جملة وتفصيلًا، مثل العنونية بوفاة فنان مشهور أو اقتراب كويكب من الاصطدام بالأرض. ثم يتبين أن المتوفى بصحة جيدة ولا هناك كويكب ولا من يحزنون. والمؤسف حقًا هو أن هذه الطريقة “الإعلامية” تستولي على مستهلكي الأخبار من المؤسسات الإعلامية التي تلتزم بدقة محتواها وعناوينها وتدفعها إلى الإفلاس– بالإضافة إلى الخسارة التي يشكلها نشوء أجيال تتغذى على المحتوى الهابط والمعلومات الكاذبة.