منحنى العائد مقلوب.. ما العمل!

د. عدلي قندح 

يشير منحنى العائد المقلوب إلى حالة تكون فيها أسعار الفائدة على السندات قصيرة الأجل أعلى منها على السندات طويلة الأجل. وهذا يعني أن المستثمرين يطالبون بعائدات أعلى لاستثمار أموالهم على مدى فترة زمنية أقصر مقارنة بفترة أطول. وغالبًا ما يُنظر إلى هذا الموقف على أنه علامة على تشاؤم المستثمرين بشأن مستقبل الاقتصاد، حيث يشير إلى أن المستثمرين مهتمون أكثر بالحفاظ على أموالهم على المدى القصير بدلاً من استثمارها في مشاريع طويلة الأجل يمكن أن تحقق عوائد أعلى. وهذا هو الوضع الان فيما يتعلق بمحنى عائد سندات الخزانة الاميركية. فماذا يتطلب من بنك الاحتياط الفيدرالي القيام به في ظل استمرار ارتفاع معدلات التضخم؟

تاريخياً، وعلى مدى خمسة عقود تقريباً، كانت منحنيات العائد المقلوبة مؤشراً موثوقاً لتوقع حدوث ركود إقتصادي. هذا لأنها تشير غالبًا إلى أن المستثمرين يتوقعون تباطؤ الاقتصاد في المستقبل القريب، مما يؤدي إلى انخفاض التضخم وانخفاض الطلب على الائتمان. فعندما يصبح منحنى العائد على السندات معكوس، يمكن أن يؤدي ذلك إلى انخفاض في نشاط الإقراض، مما قد يتسبب في تباطؤ النمو الاقتصادي، وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى ركود.

لذلك، يمكن أن يكون منحنى العائد المقلوب علامة تحذير للمستثمرين وصناع السياسات، وقد يدفعهم إلى اتخاذ إجراءات لتحفيز الاقتصاد ومنع حدوث ركود.

ولكن يجب التذكير بأن هناك علاقة بين رفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي لمحاربة التضخم والتسبب في انعكاس منحنى العائد. فعندما رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لمحاربة التضخم، فقد تسبب في زيادة أسعار الفائدة قصيرة الأجل أكثر من أسعار الفائدة طويلة الأجل، فأصبح منحنى العائد معكوساً.

ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن منحنى العائد المقلوب ليس دائمًا مؤشرًا موثوقًا به للركود، وهناك العديد من العوامل الأخرى التي يمكن أن تسهم في الانكماش الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، قد يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لأسباب أخرى غير محاربة التضخم، مثل معالجة مخاطر الاستقرار المالي أو لمنع فقاعات الأصول.

تاريخيا، استجاب بنك الاحتياطي الفيدرالي لمنحنى العائد المقلوب من خلال تنفيذ سياسات تهدف إلى تحفيز النشاط الاقتصادي وتقليل احتمالية حدوث ركود. وإحدى الطرق الأساسية التي يمكن أن يستجيب بها بنك الاحتياطي الفيدرالي هي خفض أسعار الفائدة قصيرة الأجل. كما وقد استخدم الاحتياطي الفيدرالي أيضًا أدوات أخرى استجابة لمنحنى العائد المقلوب، مثل تنفيذ برامج التيسير الكمي.

أما عندما تكون معدلات التضخم مرتفعةً جدًا كما هو الحال الآن، ستعتمد الإجراءات المحددة التي يتخذها الاحتياطي الفيدرالي على مجموعة من العوامل، بما في ذلك شدة التضخم والوضع الحالي للاقتصاد ومعدلات البطالة. لذا، يحتاج الاحتياطي الفيدرالي إلى تقييم المخاطر والفوائد المحتملة لكل إجراء بعناية قبل اتخاذ القرار. ومن الواضح أن الأولوية معطاة لمحاربة التضخم.

ومع ذلك، فإن رفع أسعار الفائدة سيكون لها أيضًا آثار سلبية على الاقتصاد، مثل تقليل الإنفاق الاستهلاكي والتجاري وزيادة تكلفة الاقتراض. لذلك، يجب على الاحتياطي الفيدرالي أن يوازن بعناية جهوده لخفض التضخم مع جهوده لتعزيز النمو الاقتصادي، وهذا ما لاحظناه عندما خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي نسبة رفع الفائدة قبل أيام قليلة من مستويات 75 نقطة و 50 نقطة الى 25 نقطة فقط، وما يخدمه في الاستمرار في عملية الرفع بنسب منخفضة هي انخفاض معدلات البطالة في أميركا. علاوة على ذلك، فأن رفع أسعار الفائدة قد يساعد أيضًا في تسوية منحنى العائد flatten the yield curve، وهو أمر مهم للاستقرار المالي.