رمضان نفحة خير ربانية

د. خليف الطراونة

أيام قليلة ننتظرها بروحانية وقلب منفطر شوقاً لاستقبال سيد شهور السنة، كما قال ابن قيم الجوزي، رحمه الله:

" الشهور الاثنا عشر كمثل أولاد يعقوب عليه السلام ويوسف بين إخوته كشهر رمضان بين الشهور، فكما أن يوسف أحب الأولاد إلى يعقوب كذلك رمضان أحب الشهور إلى علام الغيوب"

إنه شهر الهدى والرحمة والتوادّ والمحبة، شهر البركات والدعوات، وشهر الفضيلة والهمَة، شهر الصيام عن الذنوب، شهر تنقية النفس من الخطايا والمعاصي، وما أكثرها في زماننا هذا.

أيام معدودات ويظللنا هذا الشهر المبارك بنفحاته الربانية، ونحن أحوج ما نكون الى لقائه، مستغفرين تائبين عابدين، نزرع فيه ما بقي من مساحات بيضاء في قلوبنا لتخضرّ بالإيمان وعمل الخيرات وأداء الفرائض والعبادات بنفس راضية مرضية. مجسدين، ونحن نطرق فيه أبواب الرحمة والمغفرة، عزم الإرادة على مغالبة الشهوات والتسامح وتوسعة الصدور والإنفاق في الخير وعون المحتاجين .

إن علينا ونحن نستعد لاستقبال هذا الشهر المبارك، وانطلاقاً من تربيتنا الدينية، أن نضع في اعتبارنا ضرورة عدم التبذير والإسراف والاعتدال في الإنفاق في كل شيء" المال لك….لكن الموارد ملك للجميع". فتطبيق هذا الأمر أولى بحق في هذا الشهر الفضيل أكثر من أي وقت آخر، امتثالاً لقوله تعالى:"وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا" .

فلنتذكر أن هنالك أخوة لنا لا يملكون قوت يومهم، ما يستوجب علينا أيضاً النظر الى حاجاتهم ومساعدتهم كلٌ منا ضمن قدراته وإمكانياته، فالأجر مضاعف في رمضان الخير والبركة.

وتأتي الصدقة على رأس أعمال الخير في رمضان وفي غيره من الأوقات؛ فهي ترسم البسمة وتدخل البهجة والفرح على وجوه المحتاجين وقلوبهم، وهي تدفع البلاء، وتزيل الخطايا، وبها ينال المسلم رضا الله، عز وجل، إنها عمل يرفع صاحبه إلى أعلى الدرجات والمنازل.

ويتضاعف أجر بذل الصدقات في شهر رمضان عن غيره من الشهور . فالنبي عليه الصلاة والسلام كان أجود الناس عطاء بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل .

ومن أعظم الطاعات وأحبها إلى الله، عز وجل، بعد الإيمان به، التي نتقرب بها إليه، صلة الأرحام؛ فلنصل أرحامنا في شهر الرحمة وعمل الصالحات. فالأرحام أحق بعمل الخير وتفقد أحوالهم والتصدق عليهم.

يؤلمنا ما نسمعه من قصص وأحاديث

عن ازدياد قطيعة الأرحام في هذا الزمان الصعب، قطيعة الأبناء لوالديهم ولأخواتهم ولذوي القربى. فليكن لنا مراجعة لهذه العلاقة لتكون كما أوصانا بها ديننا الحنيف، دين الرحمة والتسامح والصفح.

اللهم اجعل شهر رمضان شهر خير وبركة ومحبة، وأعنا على صيامه وقيامه، واجعل قلوبنا عامرة بالتقوى والإيمان ومحبة الناس. اللهم بشرنا فيه بتوحيد أمتنا ونصرتها وتحقيق أمانيها في الرفعة والسعادة وحفظ أوطاننا من كل سوء ومكروه وشر الحاقدين والطامعين . اللهم آمين .