محمد العسعس.. الوزير العابر للحكومات يعيش أصعب مراحل حياته المهنية
رسم: ناصر الجعفري - كتابة: محمد الرنتيسي
يعيش وزير المالية محمد العسعس، واحدة من أصعب مراحل حياته المهنية إن لم تكن أصعبها على الإطلاق، وهو يشتبك من مسافة صفر مع ملفات بالغة التعقيد. العنوان الأبرز الاستقرار المالي والاقتصادي للأردن وسط عواصف من الأزمات المتتالية التي تضرب دول العالم الكبيرة منها قبل الصغيرة.
العسعس البالغ من العمر 46 عاما والحاصل على شهادة الدكتوراة في التنمية الاقتصادية والسياسة العامة من جامعة هارفارد الأمريكية، لا يملك عصا سحرية ولا قوى خارقة، لكنه يملك رؤى مقنعة لـ"أصحاب القرار السيادي" في الدولة، تجعلهم يتمسكون به ويسندونه في وجه محاولات سبق وأن حدثت للإطاحة به، وقيل في الصالونات السياسية قبيل تعديل أجراه رئيس الوزراء بشر الخصاونة، أن الأخير كان على خلاف حاد مع العسعس وحاول شموله بالتعديل حينها، لكن ذلك لم يحدث.
ذلك التمسك يبدو أنه سيطول بحيث يصبح العسعس الذي دخل الدوار الرابع أول مرة من بوابة الرئيس السابق عمر الرزاز كوزير للتخطيط والتعاون الدولي. بات العسعس اليوم وزيرا للمالية عابر للحكومات ومن المعمرين فيها، فالرجل "مرضي عنه" ويساعده أيضا إدراك الدولة بأن عدم استقرار وزير المالية في منصبه وكثرة تغييره دون مبررات وحاجة حقيقية سيكون لها نتائج وتبعات سلبية.
ولإنصاف العسعس الذي دخل "نادي الوزراء"، كان مسؤولا ومستشارا اقتصاديا في الديوان الملكي، فهو محسوب على من تولوا مناصبهم بوصفهم مكسبا للدولة لما يحملونه من كفاءة ومؤهلات وإنجازات، وليس لاعتبارات أخرى، ذلك أن الرجل يحمل سيرة ومسيرة أكاديمية ومهنية لافتة أبرزها أنه حاصل على 4 شهادات من جامعة هارفارد الأميركية التي قالت عنه في كتاب تعيينه لديها كباحث زائر إنه "يجمع المعرفة الحميمة بالاقتصاد والسياسة في المنطقة العربية وفهم استثنائي لتعقيدات الربيع العربي. وسوف يكون إضافة قيمة للحياة الفكرية في كلية كندي للإدارة العامة بجامعة هارفارد".
ومما يسجل للعسعس خلال توليه منصب وزير المالية ضمن تعهدات حكومتي الرزاز والخصاونة، بأنه لم يفرض أي ضرائب جديدة على المواطنين، بالإضافة إلى إحداث فارق في ملف التحصيلات الضريبية ممن يتهربون منها أو "يتجنبونها"، وإن كان ذلك الفارق دون اللازم إذا ما تم الحديث عن "حيتان" لهم أساليبهم وامتداداتهم "التحايلية"، لكنه بكل الأحوال مؤمن بضرورة معالجة التشوه الضريبي ورفع إيرادات الخزينة من تحصيل ضريبتي الدخل والمبيعات دون الحاجة إلى رفع أو فرض ضرائب جديدة، وعمل على تقوية صلاحيات دائرة الضريبة ووضع منهجية عمل جديدة لها بقيادة مديرها حسام أبو علي.
وفي ملف علاقة الأردن بصندوق النقد الدولي، استطاع العسعس أن يجتاز كل المراجعات المطلوبة، وحقق الاستقرار المالي بحماية الدينار وتحقيق نسب نمو وإن كانت محدودة، لتجنيب الأردن المزيد من الأزمات، رغم أن وضع الموازنة العامة للدولة "مأزومة" وتعاني من اختلالات شديدة.
لكن العسعس بكفاءاته ومهاراته ومعه الفريق الاقتصادي الحكومي، لا يعنون للأردنيين شيئا ما لم يُحدث كل ما يقومون به من سياسات وإجراءات وقرارات، اختراقا ملموسا في تحسين الظروف المعيشية، والحد من آثار الأزمات وتداعياتها على الناس، والوصول إلى حالة استقرار حقيقية.