قراءة في المشهد القطري الراهن

المهندس سمير الحباشنة

في مقالين سابقين، حاولت رصد ما يدعو للتفاؤل في كل من الجزائر والسعودية، وهنا إطلالة على دولة قطر في نفس السياق.

قطر، دولة عربية صغيرة، من حيث المساحة والسكان، إلا إنها وعبر العقود الثلاثة الأخيرة، تمكنت من أن تتقدم بكل المناحي على الصعيدين الداخلي والخارجي، حتى أصبحت ذات مكانة متميزة يُنظر إليها بأهمية كبرى تضاهي دولاً أكبر وأغنى، وذلك بفضل سياسة داخلية/ تنموية خلاقة مجدية/ ودبلوماسية نشطة، وضعتها في خانة الدول الأكثر تأثيراً عربياً ودولياً.

في أواسط التسعينات من القرن الماضي، كنت في قطر بمعية سمو الأمير الحسن، وكذلك المرحوم الدكتور عبد السلام المجالي والأستاذ هشام التل، وقد التقينا على عشاء بدعوة من الأمير حمد بن خليفة —ولي العهد قطر آنذاك— وبحضور الشيخ حمد بن جاسم وزير خارجية قطر بتلك الفترة. دار حوار طويل امتد لساعات متأخرة من الليل، حيث خرجت بإنطباعٍ بأن هؤلاء الشباب —وهم القيادة القادمة لقطر— لديهم رؤية ومشروع متكامل للتنمية في الداخل، وللدور المنتظر لقطر على المستويين العربي والدولي.

ولذا، بقيت أتذكر ذلك اللقاء وأنا أرقب تلك الحركة التي لا تتوقف في قطر، سواءً في البناء الداخلي أو الحضور الدبلوماسي المتنامي سنةً إثر سنة.

وكانت قناة الجزيرة بتلك الفترة في بدايتها ومع ذلك تكلم الأمير حمد عن المكانة التي ستكون عليها قناة الجزيرة مستقبلاً.

واليوم، وإذا كان المرء يتفق مع سياسة ومضمون قناة الجزيرة، أو يختلف معها، فإن الذي لا يمكن إنكاره أنها شكلت النقلة النوعية الكبرى في الإعلام العربي، تضاهي بمكانتها اليوم كبريات المنافذ الإعلامية الدولية. بل وأن الجزيرة كقناة إخبارية وما نتج عنها من قنوات أخرى أصبحت دليلاً، لأي نافذة إعلامية تطمح إلى التطور وتسعى إلى الانتشار.

والجزيرة اليوم تقف إلى جانب الحق الفلسطيني، ولا تتوقف عن فضح ممارسات الاحتلال العدوانية، وتقديم القضية للعالم، بأنها قضية تحرر مشروعة لشعب تحت الاحتلال.

وقطر اليوم، وعلى الصعيد الاقتصادي ذات ناتج قومي يصل إلى أكثر من 70 مليار دولار، وأن معدل دخل الفردي حوالي 70 ألف دولار وهو من أعلى معدلات دخل الأفراد في العالم.

وقطر اليوم، رائدة في الصناعات النهائية والوسيطة لتلك التي تقوم على الغاز والنفط، وبها نهضة عمرانية فائقة بحيث حين تكون في الدوحة، وكأنك في كبريات مدن الدنيا، مع ملاحظة الحفاظ وإلى حد بعيد على الطابع التراثي العربي والإسلامي.

أن الرشاقة هي سمة الدبلوماسية القطرية، الانفتاح على كافة الأطراف الإقليمية والدولية، وفق سياسة متوازنة وعلاقات طيبة مع الجميع، مثال ذلك علاقاتها مع الغرب وروسيا والصين وإيران وتركيا في آنٍ معاً، دون التوقف عند خلافات هذه الدول.

بل نجاعة دورها كوسيط في العديد من الملفات الإقليمية، إضافة الى دعم القضية الفلسطينية والوقوف الى جانب الأشقاء، وبالذات في قطاع غزة، التي تعاني من حصار الاحتلال والحاجة الى أدنى متطلبات الحياة، حيث توفر قطر جزءاً معتبراً من احتياجات القطاع المنكوب.

وأن مونديال قطر قصة أخرى، مشرّفة، فبإلاضافة إلى أنها الدولة العربية الأولى التي تستضيف تلك الظاهرة الرياضية الأهم عالمياً، فإن قطر قد وظفت بنجاحٍ كبير المونديال، لتقدم الوجه الحقيقي للعرب والمسلمين، ولحضارتنا الإنسانية ولقيمنا العربية الأصيلة، رداً على حملات التشويه التي تطال أمتنا ظلماً. لقد كان المونديال رداً عملياً على الصورة الهمجية للعرب والمسلمين التي قدمتها قوى التطرف.

وبعد؛ أتمنى على الإخوة في قطر، أن يرفعوا اعتراضهم على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، تلك الخطوة من شأنها أن تكون بوابةً لدخول العرب، كوسيط نزيه لحل المعضلة السورية. وفق تفاهمات بين الحكومة والمعارضة، تفضي إلى عودة الأمن والاستقرار والحفاظ على وحدة التراب والأرض السورية و إعادة الإعمار، وفق ترتيب عادل الميثاق من شأنه إشراك كل السوريين، في إعادة الحياة لهذا البلد العربي الهام، وعودة سوريا إلى مكانتها اللائقة في حياتنا العربية وقد علمت مؤخرا بقرب إعادة فتح سفارة سوريا في قطر، وتلك خطوة مهمة على طريق إعادة العلاقات بين البلدين العربيين الشقيقين.

والله، ومصلحة العرب، من وراء القصد.