فصل السياسي عن الخدمي بدل تفريغ النائب .

د هايل ودعان الدعجة .

بدأنا نسمع في الايام الاخيرة عن اوساط نيابية وجود توجه او رغبة لتفريغ النائب لمهامه التشريعية والرقابية ، وفصل ذلك  عن الاعمال والمهن المنتظمة التي يشغلها اصلا كمصدر دخل ، بصورة من شأنها تفعيل الاداء النيابي وتطويره وتحسينه ، الا ان مثل هذه الخطوة ورغم ايجابيتها ستصدم بالواقع الذي قد يحول دون تطبيقها وضبطها . اضافة الى انها قد تحرم المجالس النيابية من الاختصاصات التي تحتاجها خلال النقاشات والحوارات التي تجري حول القوانين والتشريعات والسياسات والقضايا المختلفة من خلال عدم تفكير اصحاب هذه الاختصاصات بخوض الانتخابات النيابية بسبب عملية الفصل والتفرغ . عدا عن اعتبارها خطوة متأخرة في ظل ما ستشهده الساحة النيابية من اجراء انتخابات على اسس حزبية اعتبارا من المجالس القادمة ، بحيث يتم التعامل مع احزاب وبرامج حزبية لا مع افراد ، وبما يكفل معالجة هذه الاشكالية من خلال وجود مرجعية حزبية مؤسسية للنائب هي من يضبط اداؤه ، بدلا من الاداء الفردي الذي تطغى عليه في الغالب المصالح والرغبات الشخصية ، التي قد يتم توظيفها من قبل الحكومات في احداث اختراقات في اداء المجالس النيابية لتمرير سياساتها وقراراتها . الامر الذي يمكن توظيفه حكوميا ايضا على الجانب الخدمي الذي يغلف الاداء النيابي ايضا على حساب الاداء السياسي ( التشريعي والرقابي ) ، وذلك عندما يضطر النائب للولوج الى هذا المسار البعيد عن مهامه الدستورية ، مدفوعا بالمطالب الخدمية لقواعده الانتخابية ، والا سيفقد دعمها فيما لو فكر بخوض التجربة النيابية مرة اخرى .

وعليه ، فقد يكون من الافضل والانسب لمجلس النواب ولغايات التفرغ لادائه التشريعي والرقابي ، الاهتمام والتركيز على الفصل ما بين السياسي وما بين الخدمي ، بدلا من التفكير بعملية تفريغ النائب على اعتبار ان عملية الفصل من شأنها تحرير النائب من التأثيرات والضغوطات الحكومية عليه مقابل تلبية مطالبه الخدمية ، التي تتعامل معها الحكومات كادوات واوراق ضغط تساعدها على اختراق ادائه والحيلولة دون استخدامه لادواته ووسائلة الدستورية في مراقبة ادائها واعمالها . والاستعاضة عن ذلك بتقديم المطالب النيابية الخدمية في اطار حزبي ، بحيث يتم ادراجها في خطط الحكومة وبرامجها ذات الطابع الخدمي والتنموي .

اضافة الى ان عملية الفصل ، قد تدفع البعض الذي يفكر بخوض الانتخابات النيابية مستقبلا الى اعادة حساباته ومراعاة ما يتمتع به من مؤهلات واختصاصات في خيارته الانتخابية ، لان فرصة ركوب الموجة الخدمية في سبيل تعزيز حضوره النيابي وتعويض ما يفتقر له من قدرات وامكانات ومتطلبات تؤهله لتولي المنصب النيابي ، سوف لا تكون متاحة كالمعتاد الامر الذي سيضعف من أدائه ويضعه في موقف حرج امام ناخبيه . عندها سوف ندرك ضرورة تفهم هذا التحول في المشهد الوطني الذي من شأنه تعزيز مشروعنا الاصلاحي ، لأننا بدأنا نعرف حجمنا وحدودنا وما اذا كنا نتمتع بالاهلية التي تبرر لنا التفكير بخوض الانتخابات النيابية مستقبلا  ام لا .