رسائل اقتصادية من قلعة الرأسمالية العالمية
أحمد عوض
الخطاب الذي يقدمه الرئيس الأميركي أمام الكونجرس سنويا تحت عنوان “خطاب حالة الاتحاد”، يعد تقليدا أميركيا وجزءاً من الحياة السياسية في هذا البلد الذي لعب وما يزال يلعب أدوارا سياسيا مفصلية في العالم.
خلال السنوات القليلة الماضية، تحولت مضامين هذا الخطاب من خلال تقليص مساحة الحديث عن الأوضاع الدولية وتدخلات الولايات المتحدة على المستوى العالمي إلى التركيز على الشؤون الأميركية المحلية.
والخطاب الأخير الذي عرضه الرئيس جو بايدن، الثلاثاء الماضي، كان مؤشرا على زيادة مساحة الشؤون الاقتصادية الداخلية أكثر فأكثر على حساب الشؤون الدولية.
الجديد في الخطاب هو “نبرة” رئيس أكبر دولة في العالم تأسس نظامها الاقتصادي على مبادئ الاقتصاد الرأسمالي بأحدث طبعاته، بما فيها “الرأسمالية النيوليبرالية” التي تعبر عن مصالح الشركات الكبرى، غير آبه بآثار ذلك على المجتمع والدولة.
خطاب “بايدن”، الأسبوع الماضي، تضمن رسائل قوية ضد الشركات الكبرى وممارساتها في الولايات المتحدة، تحدث فيها عن عمليات الاستغلال التي تقوم بها هذه الشركات للناس، أكان على شكل رفع أسعار غير مبرر أو رسوم تفرضها على الخدمات التي تقدمها للجمهور، وطالب بمحاربة الاحتكار.
لم يكتف رئيس أكبر “قلعة رأسمالية” في العالم بالحديث العمومي عن الشركات، بل خصّ بذلك شركات التأمين وشركات النفط والبنوك، وطالب بوضع حد لتغولها على المجتمع. وتضمن الخطاب سياسات لإعادة بناء النظام الضريبي الأميركي ليكون عادلا. وتناول أهمية أن تلعب الدولة دورا مركزيا في توفير الرعاية الصحية وتقديم التعليم بمختلف مراحله بشكل جيد وعادل.
وتضمن الخطاب رسائل مباشرة بضرورة زيادة أجور العاملين في بعض القطاعات الاقتصادية، وانتقد بشدة الشركات التي تمنع العمال من تشكيل نقابات تدافع عن مصالحهم وحقوقهم.
هي دعوة للقائمين على إدارة الملف الاقتصادي الأردني، للتفكير في المبادئ والقيم الاقتصادية التي يعملون بموجبها، لأن الاقتصاد -أيا كانت الفلسفة التي يقوم عليها- بحاجة إلى رقابة، وبحاجة الى سياسات ضريبية عادلة وفي إعادة توزيع الثروة.
مبادئ ومقولات تقوم على الحرية المطلقة للاقتصاد والأسواق، وأن القطاع الخاص يقود الاقتصاد، لا مكانة لها في عالم اليوم، ولا حرية مطلقة في أي اقتصاد، والدولة هي التي تقود الاقتصاد لمصلحة المجتمع وليس القطاع الخاص.
نشير إلى ذلك، ليس تعبيرا عن الإعجاب بما يجري في الولايات المتحدة، بل للاستفادة من الدروس التي تقدمها هذه التجربة، إذ إن التقييم والرسائل التي وردت في خطاب “حالة الاتحاد” يمكن الاستفادة منها بشكل كبير لحالتنا في الأردن؛ إذ ما يزال العديد من السياسيين والاقتصاديين النافذين في الأردن يقودون الاقتصاد الوطني بطريقة غير مفهومة.
توقف زيادة الحد الأدنى للأجور جاء اعتقادا منها أن رفعه سيهدد النمو الاقتصادي وسيزيد من معدلات البطالة، كذلك الحال بالنسبة للتعديلات التي تجري على قانون الضمان الاجتماعي التي تذهب باتجاه تخفيض بعض الحمايات الاجتماعية للشباب، ويروج سياسيونا بأن هذه الخطوات ستزيد من فرص التشغيل وستعزز النمو الاقتصادي، بينما الحقيقة أن هذه السياسات ستؤدي إلى تراكم الثروات عند بعض الأشخاص، وستعمق الفقر واللامساواة الاقتصادية وستزيد من البطالة.
كما آن الأوان لأن يتوقف هؤلاء المسؤولون عن كيل الاتهامات للمطالبين بسياسات بديلة؛ إذ إن وصف المطالبين بتعزيز الحمايات الاجتماعية وزيادة الحد الأدنى للأجور وتحسين شروط العمل ومراجعة السياسات الضريبية لتكون أكثر عدلا بأنهم “غير وطنيين” لم تعد تجد نفعا، ولا تحل الأزمات التي أنتجتها وفاقمتها سياساتهم الاقتصادية التي أثبتت فشلها محليا ودوليا.
والأجدى بدل هذه الاتهامية والعدائية أن ينفتحوا على السياسات البديلة المطروحة، فهي سياسات واقعية وقابلة للتطبيق.