مكاتب سفر وسياحة تخدع الأردنيين بالأسعار وتتلاعب بالاتفاق
لم تدرك الأردنية رشا الرياضي أهمية تحققها من ترخيص شركة سياحة وسفر توجهت إليها في حزيران (يونيو) 2021، إذ كانت تخطط لزيارة رومانيا برفقة أفراد أسرتها، وحجزت 5 تذاكر طيران مقابل 600 دينار (846 دولارا أميركيا) عبر الشركة، لتتفاجأ لدى السفر بأنهم بحاجة إلى تأشيرة تصدر بعد دعوة من شخص أو مؤسسة داخل رومانيا، ولدى مراجعتها الشركة ادعى العاملون أن لا معلومات لديهم بشأن التأشيرة وبناء على ذلك حجزوا لها التذاكر، فما كان منها إلا أن سلمت بالأمر وخسرت المبلغ، كما تقول لصحيفة "العربي الجديد"، مضيفة أنها لم تعِ إمكانية تعرضها للخداع من مكتب غير مرخص في ذلك الوقت وأن بإمكانها تقديم شكوى لاسترداد حقوقها، لكن مع شيوع تحذيرات وزارة السياحة والآثار بشأن مكاتب غير مرخصة ووهمية، بحثت الرياضي ضمن قائمة المكاتب المرخصة المعلنة من قبل الوزارة ولم تجد المكتب الذي قصدته مدرجا ضمنها، لتكتشف أنه واحد من بين 165 مكتبا تعمل بلا ترخيص رصدتها جمعية وكلاء السياحة والسفر خلال عامي 2021 و2022، وتوقع تلك المكاتب ضحاياها عبر صفحات مواقع التواصل التي تروج عبرها لبرامج سياحية رخيصة من أجل خداع الزبائن.
وبذلك، أصبحت مكاتب سفر وسياحة غير مرخصة تخدع الأردنيين عبر أسعار رخيصة تروجها على مواقع التواصل، أو معلومات مغلوطة وتلاعب في الاتفاق المبرم مع العميل الذي يقع ضحية الفوضى التي تضرب القطاع وتدفع ثمنها كل الأطراف ذات الصلة.
ظاهرة متنامية
يؤكد عضو مجلس إدارة جمعية وكلاء السياحة والسفر خالد الحجاوي أن نشاط المكاتب السياحية غير المرخصة ليس بجديد، لكنه آخذ بالتنامي، ويعود التغول على عمل الشركات السياحية المرخصة، إلى عام 2013 تقريبا، حين بدأت ظاهرة إعلان سيدات عن الترتيب لرحلات سياحية، وما زلن يقمن بذلك بالرغم من تحويل إحداهن إلى المدعي العام مرتين، ووقعت على تعهدات، إلا أنها لم تكفّ عن ذلك.
165 مكتباً سياحياً غير مرخص جرى ضبطها خلال عامين
ومع انتشار التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي برزت ظاهرة المكاتب الوهمية أيضا، حيث يمكن لأي شخص استحداث صفحة على "فيسبوك" باسم وشعار شركة سياحة وسفر، ومن خلالها يروج أنشطته دون وجود مكتب حقيقي، ويكشف الحجاوي أن المحتال هنا يتواصل مع زبائنه عارضا خدمات وهمية من حجز تذاكر أو برامج سياحية، ويمكن أن يطلب منهم تحويل الأموال إلى محفظة إلكترونية، ويقنع المسافر بأن المكتب وفق نظام عمله يرسل له التذكرة قبل يوم من السفر، وإما أن يختفي بعد ذلك ويخسر الزبون أمواله، أو يرسل له تذاكر وهمية لا يمتلك سجلا لها، وكذلك حجزا فندقيا وهميا لا علم للفندق به، وفي هذه الحالة إذا وصل المسافر للمطار سيفاجأ بأن التذكرة التي بحوزته وهمية، وفي حالات أخرى قد يزود المسافر بتذكرة ذهاب دون عودة، ولدى وصوله وجهة السفر سيجد أن لا حجز فندقيا باسمه أيضا.
ورصدت معدة التحقيق 5 صفحات على منصة فيسبوك، تدعي أنها شركات سياحية تنظم رحلات داخلية وخارجية، لكنها غير مدرجة في قائمة الشركات السياحية المرخصة المعلنة والتي تضم 700 شركة ومكتب.
وتمارس بعض الشركات غير المرخصة عملها في مكتب تدعي أنه مقر رسمي لها، لكنها في الحقيقة غير حاصلة على تصريح مزاولة مهنة، وبحسب ما يرد لجمعية وكلاء السياحة والسفر من شكاوى فإنها تنصب على الزبائن إما بتقاضي أموال مقابل خدمات لا تقدمها، أو حجز تذاكر لبلدان يحتاج دخولها إلى تأشيرة، بحسب الحجاوي قائلا: "لا بد من إيقافها عند حدها، لكن للأسف، فإن التحرك يحدث بموجب شكوى من متضرر"، مشيرا إلى أن الظاهرة آخذة بالتزايد، إذ رصدت الجمعية 108 مكاتب غير مرخصة تمارس نشاط السياحة والسفر خلال 2021،من بينها 85 ضبطت خلال موسم الصيف الأكثر أهمية من حيث الرحلات والسفر، كما رصدت نشاط 120 فردا يعملون دون ترخيص أو تصريح مزاولة مهنة أيضا، 77 من بينهم جرى ضبطهم في موسم الصيف، ومنذ بداية 2022 إلى نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، رصدت الجمعية نشاط 57 مكتبا غير مرخص 44 منها نشطت خلال موسم الصيف، و22 فردا يدّعون أنهم أصحاب مكاتب سياحية ومزاولون للمهنة، ومن بينهم 15 فردا وثقت نشاطهم الجمعية بين يونيو وحتى نهاية سبتمبر الماضي.
ولا يقتصر النصب على موسم الصيف، إذ تتوالى المواسم التي تنشط فيها الحركة السياحية مثل موسم سفر الطلبة إلى البلدان التي يدرسون فيها، ورأس السنة الميلادية، تليها عطلة ما بين الفصلين بالإضافة إلى موسم العمرة والحج، وفي جميعها ترصد الجمعية احتيالا على الزبائن، كما يقول الحجاوي.
إغلاق 35 مكتبا غير مرخص
أغلق 35 مكتبا غير مرخص منذ بداية 2022 وحتى منتصف شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وجرى تحويل 14 شخصا إلى المدعي العام لممارستهم أنشطة تتعلق بالسياحة والسفر بدون ترخيص، كما يكشف الناطق الإعلامي باسم وزارة السياحة والآثار أحمد الرفاعي.
520 شكوى ضد المكاتب السياحية المرخصة خلال عام 2022
واطلعت "العربي الجديد" على 5 شكاوى تقدم بها أردنيون إلى وزارة السياحة والآثار بعدما وقعوا في فخ شركات سياحية غير مرخصة، وتكشف إحدى الشكاوى أن مواطنا أردنيا طلبت الوزارة التحفظ على اسمه، خسر 1870 دينارا (2646 دولارا) مقابل حجز لـ 5 أشخاص إلى إسطنبول في رحلة تمتد من الأول من سبتمبر إلى الثامن منه في عام 2022، ودفع المبلغ كاملا في مكتب الشركة الموجود في الشميساني بالعاصمة كما يثبت الوصل الذي يحمل الرقم 79 ويحتفظ به الضحية، لكنهم لم يزودوه بأي تذاكر قبل أن يختفي أثرهم، ما دفعه إلى مراجعة الوزارة للاستفسار عن وضع الشركة وحقيقة نشاطها، ليتبين أنها غير مرخصة، ويتقدم بشكوى رسمية في محاولة استرجاع حقوقه.
وتبين شكوى أخرى أن 6 أردنيين سافروا إلى تركيا عبر مكتب سياحة وسفر في مدينة عمان، وبعدما وصلوا إلى وجهتهم اكتشفوا أن المكتب لم يؤمن الإقامة في الفندق المتفق عليه، وتنصل من تغطية تنقلاتهم الداخلية أيضا، علما بأن الاتفاق السعري بين الطرفين شمل هذه الخدمات، وحتى تذكرة العودة، لكنهم فوجئوا بإلغائها فاضطروا إلى حجز تذاكر جديدة ودفع 460 دينارا إضافيا (648 دولارا)، ولعدم تجاوب المكتب معهم قصدوا وزارة السياحة للشكوى وتبين لهم عندها أنه غير مرخص.
ويجمع الضحايا الذين يوثق التحقيق شكاواهم بأن المكاتب اصطادتهم عبر السعر الرخيص، وهو ما يؤكده الحجاوي قائلا إن المكاتب غير المرخصة والتي تنشط عبر "فيسبوك" تروج لبرامج سياحية أو عروض على الرحلات السياحية بفارق يصل إلى 300 دينار (423 دولارا)، مشيرا إلى أن الجمعية تلقت 200 شكوى من ضحايا خدعتهم تلك الشركات خلال عام 2021.
ولمكافحة الظاهرة تنفذ الجمعية برامج توعية وتشارك في لقاءات تلفزيونية، وتدعم إعلانات تجارية وحتى كاريكاتيرات ورسوما متحركة تحذر المواطنين من الوقوع في شباك شركات وهمية أو غير مرخصة، ويجري تداول التحذيرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن تخصيص خط ساخن يعمل 24 ساعة يتيح للمسافر أن يتصل ويتحقق إن كان المكتب مرخصا أم غير قانوني قبل التعامل معه.
خسائر تتحملها شركات السياحة المرخصة
يرى الحجاوي أن قطاع السياحة والسفر يحتاج إلى ضبط من الدولة، وبالتحديد إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية؛ من أجل وقف مزاولة مهنة دون ترخيص وما يسفر عنه الأمر من نصب واحتيال، لافتا إلى ثغرات في القانون باقتصار الشكوى على المتضرر من المواطنين فقط، ولا يسمح للشركات المرخصة بالشكوى، بالرغم من أن الضرر يطاول القطاع بأكمله، بسبب الإساءة إلى سمعة شركات السياحة والسفر بالإضافة إلى خسائرها المادية، وحتى الضحايا فإن نسبة كبيرة منهم غير مقتدرين ماديا وتقع عليهم عمليات النصب كالفاجعة والمشكلة الأكبر أن الشكوى تحتاج إلى وقت حتى ينظر القضاء بها وبالتالي يكون المحتال قد نصب على مواطنين آخرين.
ويعتبر الحجاوي أن تراخيا في تطبيق القانون يؤدي إلى ضعف السيطرة على الظاهرة، ومشكلة تنسيق وغياب قنوات التواصل بين القضاء والجمعية والشرطة والوزارة، والنتيجة سلبية والمتضرر هو متلقي الخدمة الأخير.
في المقابل، يوضح الرفاعي أن الوزارة تعاقب المخالف وفق أحكام المادة 9 من قانون السياحة وتعديلاته رقم 20 لعام 1988، والتي تنص على أنه "لا يجوز لأي شخص طبيعي أو معنوي ممارسة أي مهنة سياحية أو تملكها إلا بعد الحصول على ترخيص من الوزارة بمقتضى هذا القانون والأنظمة الصادرة بموجبه"، مبينا أن لجنة الرقابة والتوعية والتفتيش على المنشآت التابعة للقطاع السياحي مكلفة بمراقبة السوق، وفي حال وردت الوزارة شكوى ضد مكتب معين، تتم مراجعة السجلات، وإن ثبت أنه غير مرخص، تتوجه إليه اللجنة وتتخذ الإجراء الأول بحقه وهو إغلاق المكتب، ثم تدعوه لتصويب أوضاعه، آخذة بعين الاعتبار أن هناك أشخاصا يجهلون ضرورة الحصول على ترخيص مكتب سياحي ومزاولة مهنة، وفي حال صوب أوضاعه تنتهي ملاحقته، وإن لم يصوبها وبقي يمارس الأعمال دون ترخيص فإنه يحال إلى المدعي العام.
لكن مدير عام شركة "عين عمان" السياحية إبراهيم عودة، يصف القطاع وحتى المرخص منه بـ"المتخبط"، قائلا: "نرصد خلال العمل تجاوزات عديدة مثل عدم الالتزام بالخدمات المتفق عليها ومنها الفندق، أو إعطاء العملاء معلومات مغلوطة عن المنشآت السياحية وعن وجهة السفر، وبالتالي يصل المسافر إلى البلد ويقع في مشاكل بسبب المعلومات الخاطئة"، وهو ما يؤكده الرفاعي بأن الوزارة تلقت 520 شكوى على المكاتب السياحية المرخصة، منذ بداية 2022 وحتى منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بالإضافة إلى مئات الشكاوى والتي تم حلها وديا دون إحالتها إلى القضاء.