استنزاف الجامعات الرسمية
أحمد حمد الحسبان
بعد أيام قليلة، وعقب الإعلان عن نتائج الدورة الشتوية للتوجيهي، سيبدأ “ القبول الموحد” باستدراج طلبات القبول لوجبة جديدة من خريجي تلك الدورة.
وبحسب ما أعلن مجلس التعليم العالي سيتم قبول 14303 من الناجحين في الدورة الشتوية تنافسيا. وهو نفس الرقم – تقريبا- لعدد المقبولين في سنة كاملة قبل عقد من الزمان، وعندما كانت امتحانات التوجيهي تجري بأساليب أكثر ضبطا، والمعدلات أكثر واقعية. ففي تلك الحقبة لم يكن عدد المقبولين تنافسيا يتخطى العشرين ألف طالب في السنة.
في الدورة الصيفية للعام الجامعي الحالي 2022 / 2023 بلغ عدد الذين أعلن عن قبولهم تنافسيا 45695 طالبا وطالبة، باستثناء من قبلوا على نظام الموازي، والدولي، وأبناء العاملين وغير ذلك من مجالات لا أذكر تفاصيلها، ما يعني أن عدد المقبولين تنافسيا في الدورتين” الصيفية والشتوية” وصل إلى 60 ألفا تقريبا، ومجموع المقبولين في السنة قرابة السبعين ألفا بمستوى البكالوريوس.
هذه الأعداد جاءت مقننة بعض الشيء، حيث سبقتها قرارات – يعتقد مطلعون من داخل المشهد- أنها لم تطبق فعليا، فقد تقرر تخفيض عدد المقبولين تنافسيا من خلال وحدة القبول الموحد بنسبة “ تصل إلى خمسين بالمائة”، وتخفيض القبول على مقاعد الطب وطب الأسنان في الجامعات الست التي لديها هذه التخصصات بنسبة 40 بالمائة. وبما لا يتخطى1600 مقعد لهذين التخصصين، مقابل 1300 مقعد لواحدة من الجامعات قبل اتخاذ القرار.
ومن القرارات تخفيض عدد المقبولين على نظام الموازي بحيث لا يتخطى 30 بالمائة من عدد المقبولين تنافسيا وفقا لنظام القبول الموحد.
اللافت هنا، ما يراه بعض المتابعين من داخل وخارج الجامعات من أن مرجعيات القبول الجامعي لم تخضع لتلك القرارات بشكل دقيق، وأن عدد المقبولين لهذه السنة – كمثال- عدد كبير جدا ويفوق قدرة الجامعات على الاستيعاب الفعلي، وعلى توفير متطلبات الاعتماد التي وضعت وتحولت إلى ميزة نسبية لمستوى مقبول لمخرجات التعليم.
والنتيجة الحتمية لذلك، تدني مستوى الخريجين، وتراجع مستوى جامعاتنا وفقا للمقاييس العالمية.
بالطبع لا يمكن أن يكون ذلك محاولة للتقليل من شأن جامعاتنا وكفاءاتنا الأكاديمية المتميزة، والتي نعتز بها. لكنها واحدة من مخرجات حالات يؤكدها بعض المعنيين من أن عدد الطلبة في بعض الفصول الجامعية يزيد على مائة طالب.
اللافت هنا، أن الجامعات اعتادت على مثل تلك الحالة، وبنت برامجها طبقا لذلك. فعلى سبيل المثال – وبسبب تدني مستوى الرواتب- أدخل العاملون المكافآت التي يحصلون عليها من عوائد نظام الموازي ضمن رواتبهم. وأبدوا احتجاجا وصل حد الاعتصامات عندما انخفضت تلك المكافآت نتيجة تخفيض عدد المقبولين على ذلك النظام.
والنتيجة أن الجامعات أصبحت عاجزة عن العودة لواقعها القديم من حيث القبول والحفاظ على متطلبات الاعتماد، وغير قادرة على توفير متطلبات الواقع الجديد بهدف الحفاظ على ما اكتسبته من سمعة مقارنة بالعديد من الجامعات في العالم، وهي السمعة التي ترجمتها بعض الدول كنصائح لطلبتها وخيارات للابتعاث وفقا لحاجاتها.
والمطلوب هنا، التوقف عن استنزاف الجامعات الرسمية بترشيد عمليات القبول، وقبل ذلك ضبط ملف التوجيهي.