هل الخطر بعيد عنا؟

حسين الرواشدة

 

تاريخيا ، لم تحظ حاسة الشم بالاهتمام لدى الفلاسفة والمؤرخين، وحتى العلماء، كما حظيت به الحواس الاخرى كالسمع والبصر، لكنني وجدت كتابا بعنوان "الرائحة" لمؤلف هولندي ( اسمه بيت فيرون ) يتحدث فيه باستفاضة علمية وادبية عن حاسة "الشم" ويعتبرها فاعلا اساسيا في معظم العمليات النفسية والسلوكية التي يمارسها الانسان ( والكائن الحي عموما )، ومن ابرز هذه العمليات "الانذار المبكر حين تتعرض الحياة للخطر".

استوقفتني عبارة الرجل الاخيرة، وسألت نفسي: وهل الخطر بعيد عنا؟ أبدا، فهو يحصارنا من كل اتجاه، والاخطر من الخطر نفسه ان لا تكون لدينا حاسة شم نافذة تستطيع ان تكتشفه قبل ان يقع.

حين ندقق في مطابخنا السياسية وغرفنا العامة، وربما في شوارعنا ايضا نكتشف ان هنالك انواعا شتى من الروائح التي تزكم انوفنا :

 خذ مثلا رائحة الظلم التي تخرج من بين صرخات الجائعين والمعوزين والفقراء، او من تحت أنّات المرضى الذين يبحثون عن علاج ولا يجدونه، او من خلف صمت المهمشين الذين ضلت العدالة عن الوصول اليهم، خذ مثلا رائحة الكراهية التي بدأت تتسلسل الى اعماق مجتمعنا، خذ ايضا رائحة "الاستفزاز" التي تثيرها مقررات لم تدرس كما يجب، خذ رابعا رائحة اليأس والاحباط والخوف من القادم التي خيمت على مجتمع مازال مصرا على الصمود ومواجهة نيران الاحقاد التي اشتعلت حوله في كل مكان.