مبادرة سمع بلا حدود ... بوركت الأيادي

الدكتور محمد رسول الطراونة /  امين عام المجلس الصحي العالي السابق

 

مما دفعني للكتابة حول مبادرة سمع بلا حدود ذلك الاتصال الهاتفي من إحدى الامهات الكركيات وهي تجهش ببكاء الفرحة بعد أن أعاد الله - ومن سخرهم لذلك - نعمة السمع لابنها الذي ولد فاقدا له ونطق بكلمة " يمه" وحملتني ابنة الجنوب أمانة نقل التحايا والشكر الموصول للقائمين على مبادرة سمع بلا حدود ، إحدى مبادرات مؤسسة ولي العهد ،  مبادرة خير وعطاء وإنسانية، أطلقها سمو ولي العهد الامير الحسين بن عبد الله الثاني عام  2014  قائلا " اليوم ساكون صوتا لهؤلاء الاطفال " ليعلن سموه بداية مسيرة إعادة الأمل للمرضى الذين يعانون من الصمم، للعيش دون معاناة في المجتمع وان يتمتعتوا باحدى نعم الله عز وجل ، نعمة السمع ، تلك النعمة التي قدمها الحق عز وجل في القران الكريم على البصر في عشرين اية قرانية مثل قوله ( وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ، جاءت هذه الآيات تحمل وجها من الإعجاز القرآني أثبته العلم الحديث، فالتقديم لم يكن أمراً اعتباطياً أو صدفة، إنما لفائدة وحكمة جليلة أظهرتها الأبحاث، التي كشفت عن أن آلة السمع، وهي الأذن تتكون قبل آلة البصر، وهي العين وهذا التقديم في الذكر مؤذن بأهمية المقدم حيث فضل الله - سبحانه وتعالى- السمع على البصر؛ لأنه أول ما يؤدي وظيفته في الدنيا، فالأذن لا تنام أبدًا، فالطفل ساعة الولادة يسمع ، عكس العين فإنها لا تؤدي مهمتها لحظة مجيء الطفل إلى الدنيا.

سمو ولي العهد صاحب وراعي المبادرة حدد مسيرتها بقوله " معاً، ومن خلال مبادرة (سمع بلا حدود)، نستطيع أن نجعل الأردن خالياً من الصمم، ففي الأردن الغالي قوّتُنا بإنساننا، والكلُّ له صوت، وصوتُ الجميع مسموع، وتلك هي الرسالة الهاشمية التي تأسّس وبُني وتعزّز عليها الأردن". وفي حديثه عن فكرة المبادرة، قال سموه " لم تفارقني فكرة طفل صغير ينام ويصحو دون أن يسمع صوت أبويه، ودون أن يسمع الأناشيد والقصص، قابلت أهالي ينتظرون اليوم الذي يستطيعون فيه أن يسمع طفلهم حبهم ودعاءهم له، ويسمعهم كلماته، ذلك الطفل المحروم من سماع الدنيا، تحرم الدنيا من سماعه".

تهدف هذه المبادرة إلى تقديم افضل الخدمات لفاقدي السمع في المملكة من خلال تقديم الدعم والمساعدة لتأهيل الأطفال الصم، وزراعة القواقع لهم، وتدريبهم على النطق، وتوعية المجتمع بالحالات المسببة للصمم و ثمة هدف سامي اخر للمبادرة يتمثل بإنشاء مراكز في جميع أنحاء المملكة لتأهيل الأطفال الذين خضعوا لعمليات الزراعة و تدريب المختصين بتأهيل النطق لدى الأطفال، ويأتي ذلك حرصاً من سموّه على مساعدة هذه الفئة على الاندماج والتفاعل والمساهمة في إحداث تأثير ذي قيمة مضافة في المجتمع.

اقل ما يمكن قوله ، أن المبادرة  سابقة فريدة من نوعها لتوفير المساعدة لمن يحتاجها من الأطفال الذين يعانون من تحديات سمعيّة ليكونوا أفراداً مندمجين وفاعلين في المجتمع، مبادرة يتم العمل عليها بالشراكة بين مؤسسة ولي العهد مع الخدمات الطبية الملكية و مستشفى الامير حمزه بايدي اطباء اردنين مهره ، حيث تقوم المؤسسة بدور تنسيقي نشط وهام  بين جميع الأطراف العاملة على المبادرة، لضمان تحقيق الأهداف المرجوّة وتقديم أفضل الخدمات الممكنة، ويقوم الشركاء بتأمين أجهزة القوقعة لمحتاجيها، وتوفير الدعم الطبي من خلال إجراء الفحوصات الطبية قبل اجراء العملية بالإضافة لمتابعات ما بعد العملية وبرمجة الجهاز الخارجي للقوقعة، إضافةً إلى العمل على إعادة التأهيل السمعي والنطقي للأطفال زارعي القوقعة، وتقديم الدعم المتواصل عن طريق تأمين البطاريات والأسلاك وكل ما يلزم من مواد تقنية، و تقوم المؤسسة بالتنسيق مع كافة الاطراف المعنية وذات الاختصاص على رفع الوعي المجتمعي بمشاكل السمع وأهمية الكشف المبكر لها و تدريب أسر الأطفال المستفيدين من زراعة القوقعة لمساعدة أبنائهم على تعلُّم النطق وبالتنسيق مع شركاء المؤسسة يتم إجراء مسح عام لتحديد ووصف كلّ حالة من حالات الصمم، وطرق معالجتها بالتعاون مع المستشفيات المعتمدة في المملكة، و بناء قاعدة بيانات لحفظ فحوصات السمع للأطفال حديثي الولادة.

تجدر الاشارة  الى انه يولَد في الأردن ما يقارب 175 ألف طفل سنوياً، اثنان من كل ألف مولود لديهما إصابة بالصمم اذ يقدَّر عدد المصابين بالصمم في الاردن حوالي 19 ألف شخص  ، وتبرز اهمية هذه المبادرة  ايضا من ان معظم من يعانون من إعاقة الصمم لا يستطيعون التواصل مع المجتمع بصورة كاملة ، على الرغم من تعلُّمهم لغة الإشارة، ناهيك عن ان كلفة زراعة القوقعة الواحدة والتأهيل اللاحق لها يقدر بنحو 16 ألف دينار. 

خلاصة القول ، بوركت الايادي و شكرا سمو الامير المحبوب ، صاحب المبادرة ، شكرا للقائمين على المبادرة في مؤسسة ولي العهد ، شكرا لكافة الكوادر الطبية التي  تقوم بزراعة القواقع بمهارة عالية ، شكرا من 1200 أم  ، ومن 1200 أب ، ومن 1200 طفل أجريت لهم عمليات زراعة القوقعة منذ إطلاق مبادرة سمع بلا حدود، شكرا سمو ولي العهد على حرصك الالتقاء بالمرضى وأسرهم بشكل دوري، متابعاً بذلك حالتهم الصحيّة بعد إجراء العمليات الجراحية لهم؛ مجسّداً على أرض الواقع الرؤيه الرامية إلى أردن خالي من الصمم.