أمل ما في منظومة تعليم واعية
مالك العثامنة
بينما يحدث كل ما يحدث في الأردن وبعرض يومي مستمر، هناك طلاب مدارس في مرحلة الثانوية العامة وفي سياق دراستهم التاريخ الأردني مجبرون على “حفظ” نصوص الأوراق النقاشية التي كتبها الملك عبدالله الثاني في سبع حلقات وضع فيها رؤيته الشخصية للدولة التي هو رأسها.
وحتى أوضح، فالأوراق “نقاشية دسمة” وأنا متفق مع غالبية ما تحتويه من رؤى وأفكار عصرية لدولة مؤسسات وقانون ديمقراطية يرى رأس الدولة أنها ضرورة للدولة.
لكن، بينما يحدث كل ما يحدث في الأردن وعلى مدار يومي يراه الجميع إلا نخبة الحكم وبعض رجال الملك، فإن هؤلاء الطلاب على كامل مساحة الدولة الأردنية مجبرون على “حفظ” تلك النصوص ليتم امتحانهم بإعادة سكبها على الورق كما هي “نصا” دون نقاشها رغم أنها أوراق نقاشية! وهذا الحفظ ضرورة لاجتياز امتحان الثانوية العامة ودخول الجامعات والمعاهد العليا في التعليم العالي.
في الورقة الأولى مثلا وليس حصرا، يورد الملك أربعة مبادئ يراها أساسية في بناء الديمقراطية “المتجددة” ومن بين تلك المبادئ كانت عبارة “المواطنة لا تكتمل إلا بممارسة واجب المساءلة” التي تجعلني أتساءل عن فكرة المساءلة التي يجب ترسيخها كمفهوم وقيمة عند الطلاب لا مجرد عبارة نصية صالحة للاستخدام الإنشائي وحسب، ألا يحتاج ذلك نقاشا ووسائل إيضاح من الواقع اليومي وتحفيز الطلاب على نقد الواقع الرسمي حولهم والمخالف لمفهوم المساءلة، طبعا غير شرح فكرة المواطنة التي تتجاوز المعنى الوجداني إلى المعنى الدستوري والقانوني الذي يتطلب شرحا لمعنى الدستور والتشريعات. أليست تلك علوما مهمة ليتفتح الوعي على الدولة، لا أن تنغلق الدولة على الوعي؟
أتحدث عن جيل الشباب من تلك الفئة العمرية لأنهم ما تبقى من أمل حقيقي لقادم الأيام، أمل بإعادة تأهيل الوعي الجمعي بالدولة والمؤسسات والقانون، وهم الأقدر حينها على تقدير الرؤية بتفعيل الديمقراطية في تلك الدولة التي يمكن لهم استعادتها بكامل أهليتها الصحية والسليمة.
كل ما يمكن أن نكتبه عن المشهد المتردي الذي نعيشه اليوم لن يصنع حلولا، وأي حلول يمكن ابتكارها للعلاج السريع مستحيلة إلا بالحد الأدنى من “جراحات موضعية” قادرة على أن تجعلنا نستمر لننشئ جيلا من بعدنا، والسر الحقيقي في الإنقاذ يكمن في ما يمكن لنا تقديمه لهذا الجيل من بعدنا.
لست “سوداويا”، ولا أحب تلك العبارة وسياقاتها “التخديرية” في لعبة الرشاوى البلاغية التي نتراشقها في المشهد السياسي المحطم، بل أعتبر نفسي متفائلا جدا، لكن فقط بنهضة تعليمية حقيقية نصنع فيها وعيا حقيقيا لمشاريع مواطنة في هؤلاء الجالسين على مقاعد الدراسة.
إن استمرار العبث التعليمي الراهن بكل هذا الحشو غير المفيد والذي يعكس الفجوة بين الواقع والمتخيل لن ينتج إلا جيلا أكثر تشوها مما عرفناه نحن ومن قبلنا.
عندي أمل بمنظومة التربية والتعليم القادمة، أن تخرجنا جميعا من هذا المشهد المتردي ولنا في جوارنا الإقليمي أسوة حسنة، والمفارقة أن هذا الجوار الإقليمي يستعين بخبرات أردنية متفوقة وريادية نبذناها نحن في سياق صراعاتنا البينية الداخلية فتسيد الدجل والشعوذة الإنشائية على العلم والمعرفة في قطاع التعليم، ولا يزال هناك– ولحسن الحظ- من يقاتل لأجل الأفضل.