العبادي يكتب: عبد الرزاق الدلابيح
سهم محمد العبادي
ربما كان هذا الاسم يحرك فينا مشاعر المحبة والاحترام والتقدير لصاحبه بمجرد ذكره، وفي بعض المرات نناديه بالدكتور أو الحج أبو محمد، وكان يقابل تلك المحبة بالتقدير والابتسامة الهادئة الرزينة، واليوم نناديه بالشهيد لكنه لا يرد علينا وبقيت ابتسامته على ذلك الوجه الطاهر حتى وهو في نعشه يوارى في رحم ثرى الأردن الذي أحبه وأحبه.
عبد الرزاق يشبهنا جميعا، يشبه كل الأردنيين من أبناء القرى والحراثين والعسكر، لديه نفس الوجع والهم ونفس محبة الأردنيين لوطنهم وترابهم وهويتهم وتاريخهم، ونفس طموحهم بمستقبل مشرق وحياة كريمة تليق بهم، خرج ليلتحق بركب الضباط في الجناح العسكري بجامعة مؤتة، فكان مثال للتلميذ المنضبط المجتهد الملتزم، وظهرت عليه صفات القيادة العسكرية، ورافق في تلك السنوات عديد الضباط ممن ارتقوا بالأمس شهداء وطن ليلتحق بتلك الأفواج من مؤتة السيف والقلم والشهادة.
من جالس العقيد عبد الرزاق الدلابيح وعايشه، يعرف جيدا خصال هذا القائد الأمني، مثلما يلمس جيدا حجم الإنسانية التي يتمتع بها، وطهارة القلب، وقدرته على إدارة النقاش، وتغليب العقل والمنطق، كيف لا وهو من تدرج في الجهاز الأمني بكل جدارة، كذلك تدرج في المراتب الأكاديمية من درجة البكالوريس، الماجستير والدكتوراة، وعديد الأبحاث العلمية، مثلما كان قارئا ومتابعا ومواكب لكل الأحداث والتطورات.
خلال لقاءات جمعتنا به، كان حديث الحاج أبو محمد يطرب أسماعنا، ويسرد جده واجتهاده منذ دراسته الابتدائية حتى الوصول إلى درجة الدكتوراة، فهو لم يولد وبفمه ملعقة ذهب بل كحال الأردنيين تعب واجتهاد وتوفيق الله ورضا الوالدين، تجده يتحدث عن المنظومة الأمنية والتعامل مع الأهل فهكذا كن يصف الأردنيين، وهو المختص في القانون الدولي وله مؤلفات ما بين كتب وأبحاث، لكن ما لم يكتبه في مؤلفاته ولا يتحدث به هو حبه الكبير لهذا الوطن وأهله وقيادته.
ما دفعني للكتابة، حجم شعور الفقد لهذه القامة العظيمة الفكر والمقام والأخلاق، حجم الوجع الكبير الذي جرح قلوبنا وأدماها وأبكاها، فمن غدر بك عبد الرزاق بيك قد غدر بالوطن وأهله أجمعون، والرصاصة التي اغتالتك هي ذات الرصاصة التي اغتالت الوطن بأكمله.
فكيف ليد أن تغتال رجلا كان يؤدي واجبه بالحفاظ على النظام وأمن المجتمع؟ وكيف لأردني أن يقتل أردني؟ ونحن من تعلم أن دم الأردني على الأردني حرام، كيف لتلك اليد أن تحرم عائلة وأم وأهل وقرية من ابنهم ولأجل ماذا؟ وكيف لتلك اليد أن تحرم سجادة الصلاة من مصليها ؟
المتضررون من ارتفاع المحروقات خرجوا للتعبير عن احتجاجهم بكل الطرق الحضارية والسلمية، لكن عيون الأجرام والإرهاب اندست بين تلك الجموع الكريمة لتنفذ أجندتها ضد الوطن وأهله وحتى ضد أولئك الذين احتجوا، فتلك الرصاصة الغادرة وما تبعها من رصاصات بحق شهدائنا استطاعت أن تقتل حتى تلك المطالب العادلة.
هذا الوطن ترابه روي بدماء الشهداء وهوائه برائحة البارود، والشيح والقيصوم أصبح من مسك الشهداء، وشجر الدفلى أكاليل لاضرحتهم، وما الشهيد عبد الرزاق الدلابيح ورفاقه الا امتداد لقوافل الشهداء الأردنيين ولن يكونوا آخرهم، ليبقى هذا الوطن عصيا على كل عدو وقلعة حصينة وتراب طهور لن يدنس.
رحم الله الباحث والمفكر والقائد الدكتور الشهيد عبد الرزاق الدلابيح ورفاقه الشهيد غيث الرحاحلة والشهيد معتز النجادا والشهيد إبراهيم الشقارين، وسيبقى الأردن والأردنيين يذكرونهم “رجال صدقوا الله والوطن وأهله”، وللحديث بقية.