الإنذار الذي لم ينتبه له أحد

مالك العثامنة

أكتوبر الماضي أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية استطلاعا تحدثت فيه الأرقام عن نتائج مرعبة. الاستطلاع الذي – حسب المركز العريق جدا وهو خزان الدولة الرسمي بالأفكار المنهجية- شارك في تنفيذه أربعة وستون باحثاً وباحثة ميدانياً ومكتبياً و12مشرفاً وكانت نسبة هامش الخطأ في العينة الوطنية (±2.5) عند مستوى ثقة (95.0 %)، والمركز مسؤول بالمطلق عن هذا التصريح بحجم جدية العمل المبذول.


وبدلا من قراءة الأرقام “الصادمة جدا” بعقل رسمي بارد كان الجدل “السياسي العقيم” قد أثير لتوجيه نتائج الاستطلاع كحالة صراع مراكز قوى سياسية في الدولة الأردنية!
كل ما يحدث اليوم، وربما ما سيحدث قريبا تحدثت به الأرقام – والأرقام لا تعرف الأجندات وليس لها مشاعر- وتنبأ خزان الدولة الفكري “مركز الدراسات” ومن خلال تلك الأرقام فقط بوقائع ما نراه اليوم من أحداث.
لن أدخل بالأرقام التي أوردها الاستطلاع وتم تصيدها في معركة الجدل الذي تحول إلى عبث غير مفهوم في حالة أصلا غير مفهومة من صراعات لا معنى لها.


دعونا ننتبه إلى تلك الأرقام التي كانت تشير إلى حالة مبكرة من الإنذار بلونه الأحمر!


80 % من الأردنيين يعتقدون أن الامور في الأردن تسير في الاتجاه السلبي، وفقط (18 %) يعتقدون أنها تسير في الاتجاه الإيجابي ( ولا أعرف أين ذهب الـ2 % الباقون)، لكن أغلبية ساحقة بالمعنى الحقيقي من تلك العينة التي تمثل آراء الأردنيين ترى وفي العموم وبدون تخصيص أن الأمور تتدهور نحو السلبية. هذا رقم خطير كان يجب التوقف عنده والطلب ” حسب ما يدعو المنطق” إلى التوسع في هذا السؤال والتدقيق والحفر فيه باستطلاع منفصل يقود إلى الأجوبة التي كان يمكن تحويلها إلى سياسات.


اقتصاديا ( والاقتصاد هو عنوان كل أزمات الأردن) فإنه حسب الأرقام في ذات الاستطلاع الذي قرأناه وتجادلنا على هوامشه ثم عبرنا عنه بلا تردد، ترى الغالبية العظمى من الأردنيين (85 %) أن الأوضاع الاقتصادية في الأردن تسير في الاتجاه السلبي بينما وصف 66 % من الأردنيين وضع أسرهم الاقتصادي اليوم بأنه أسوأ مما كان عليه قبل سنة، و 8 % فقط وصفوه بأنه افضل مما كان عليه قبل سنة.


الأغلبية التي وصفت الوضع بالأسوأ طبيعية ضمن سياق الواقع الاقتصادي السيئ أساسا، لكن، لافت جدا تلك الـ8 % التي ترى أن وضعها صار أفضل مما كان عليه قبل سنة! ألا يستحق ذلك مزيدا من البحث والسؤال والتمحيص بتلك الطفرة في تلك الأقلية “المحظوظة”؟
طبعا وحسب الأرقام نفسها، فإن (85 %) يرون أن السياسات والإجراءات الاقتصادية الحكومية فشلت في التخفيف من الأعباء الاقتصادية او الحد من ارتفاع الأسعار او تقليل نسب الفقر والبطالة، ألم يكن ذلك إنذارا مبكرا للفريق الاقتصادي الحكومي وباقي فرق الاقتصاد وخبرائه وهيئاته ومستشاريه المتخمين في الدولة وعلى أطرافها؟


أما أهم التحديات غير الاقتصادية التي يواجها الأردن (ويؤكد الاستطلاع بالنص على أن على الحكومة معالجتها) فجاءت: التحديات الامنية الداخلية (33 %)، وتردي مستوى الخدمات الحكومية بصفة عامة (27 %)، ومن ثم الفساد المالي والاداري والواسطة والمحسوبية (16 %).
لم يورد الاستطلاع الخطر الإرهابي لأن هذا يحتاج دراسة أكثر بكثير في العمق الاجتماعي لا استطلاعا وحسب، لكن أكاد أجزم من قراءات كثيرة أن التحديات الاقتصادية وغير الاقتصادية ومن ضمنها تفشي المخدرات، وتردي مستوى الخدمات، وطبعا تربع الفساد المالي والإداري والمحسوبية المتغولة في كل تفاصيل عيش الناس، كلها سنجدها عناصر أساسية في “الكفر” بالواقع حد اعتناق الفكر التكفيري والتطرف.
كان لدينا إنذار باللون الأحمر في أكتوبر الماضي، مررنا عنه بعد جدل غير متصل بالأزمة الحقيقية ومضينا في طريقنا نحو ما نشهده اليوم.