الأزمة التي لا حل لها
ماهر أبو طير
الأزمة التي يغرق بها الكل، هي أزمة الديون، ديون الخزينة، وديون الشركات والمؤسسات، وديون الافراد، والارقام تتضاعف يوميا، حيث اصبحت الاستدانة هي الحل الوحيد المتاح للكل.
هذا ملف اقتصادي، لكن تأثيراته سياسية، واجتماعية، وديون الأردن ترتفع إلى 51.5 مليار دولار وتلامس 108 % من الناتج الإجمالي، وديون الافراد تتجاوز الاثني عشر مليار دينار وفقا لأرقام عام 2020، وهي بالتأكيد اعلى الآن مع نهاية
2022، فيما أشارت أرقام تقرير الاستقرار المالي للعام 2020 الصادر عن البنك المركزي الأردني، إلى أن حجم القروض التي منحت للقطاع العقاري لأغراض سكنية وتجارية وصلت حتى نهاية 2020 إلى 5.6 مليار دينار، وهي ارقام مذهلة
جداً.
الأردن يستدين من اجل سداد فوائد قروضه وليس من اجل سداد القروض الاصلية، والافراد يستدينون من اجل تغطية التزاماتهم، او شراء شقة، او سيارة، وهي ديون مع فوائدها تستهلك جانبا لا بأس به من رواتب الموظفين والعاملين، خصوصا،
اذا كانت قروضا طويلة الامد، حيث يتضاعف مثلا ثمن الشقة على مدى عشرين سنة، والفوائد التي يتم رفعها كل فترة، تؤدي الى اختلالات كبيرة على مستوى قروض الافراد، التي لا تريد ان تنتهي، بسبب ظروف كثيرة.
اللجوء الى الاستدانة يتم عبر شروط من ابرزها قدرة الشخص المالية على السداد، وبرغم ذلك ينتظر كثيرون تأجيل بعض الاقساط، او جدولة القرض كل فترة، بما يعبر عن اختلال مالي.
في حوار مع زميلنا الكاتب الاقتصادي سلامة الدرعاوي، حول قصة ديون الافراد، كان له رأي آخر، وهو الأدرى مني في الملف الاقتصادي، وكان رأيه يقول إن.. ” نسبة التعثر في سداد الديون على مستوى الافراد في الأردن من اقل النسب في
العالم، حيث لا تتجاوز الأربعة ونصف بالمائة، مقارنة بنسبة تعثر عالمية تصل الى ثمانية بالمائة، ولدى الجهاز الاقتصادي نسبة امان مرتفعة، كما أن القروض تساهم في دفع عجلة الاقتصاد، وهي لا تعطى في الاساس إلا لمن كان قادرا على
السداد، ولا توجه إلا للجهات التي لديها جدوى اقتصادية، واغلب القروض تعطى بناء على اسس محددة، كما أن نسبة السداد شبه كاملة، من جانب المقترضين بشكل عام”.
هذا رأي يمثل الذهنية الاقتصادية، لكن من ناحية واقعية، فإن الاضطرار للقروض يعبر عن مشاكل في قدرات الافراد، وإلا لماذا يضطر لأن يقترض من اجل شراء سيارة او شقة، او تمويل دراسة، او علاج، وغير ذلك، وزيادة الاقتراض تعزز
الحقيقة التي تقول ان اغلب الافراد لديهم مشاكل في التمويل، وعلينا ان نتخيل فقط عدد المقترضات مثلا، بقروض أقل من خمسمائة دينار، من المؤسسات والصناديق التي توفر قروضا منخفضة القيمة وفقا لشروط محددة.
وفقا لبيانات رسمية، فإن هناك مليونا و170 ألف مقترض من البنوك التجارية خلال عام 2020، وتشكل نسبة المقترضين الذكور 81 % من إجمالي المقترضين، وهذا يعني ان اغلب العائلات الاردنية مدينة للمصارف، لسبب او آخر، والارقام في
2022 اعلى بالتأكيد، بما يقول فعليا أن مشكلة الديون باتت غالبة، في عمان وكل المحافظات.
ما يراد قوله هنا إن الاستدانة تترك اثرا ماليا على المستدين، مثلما تترك اثرا اجتماعيا، خصوصا، بسبب امرين، اولهما استنزاف القرض لجزء ليس قليلا من الدخل الشهري، خصوصا، مع ارتفاع الفوائد، وثانيهما المخاوف من عدم السداد، او
التعثر، او التأخر وغراماته، وتكون النتيجة سلبية على مستوى استقرار العائلات، على المديين المتوسط والبعيد، جراء ضغط الدين واقساطه الشهرية، على هذه العائلات، التي اضطرت للدين لتغطية التزام ما، وبرغم ان الاقتراض قرار يعد
شخصيا، الا انه بالتأكيد يأتي اضطراريا، بسبب جملة عوامل مختلفة يخضع لها الغالبية.
ما لم تتحسن دخول الافراد، ويحدث هناك ازدهار اقتصادي، وينتعش القطاع الخاص بشكل واضح، وهي عناوين صعبة في ظل ازمات الاقليم والعالم، السياسية والاقتصادية، فإن الاستدانة ستبقى متواصلة، خصوصا، مع زيادة نفقات الحياة،
ومتطلبات الناس الاستهلاكية، دون ان ننسى هنا ان هذه ليست مشكلة اردنية، حصرا، بل باتت في اغلب اقتصادات العالم.
الديون وفوائدها، او “الديون الربوية” بشكل أدق هي اساس مشاكل البشرـ وهي قد تحل مشكلة مؤقتا، لكنها تتفاقم كمشكلة، مع مرور الوقت، بسبب تراكم الفوائد، واثرها على المقترض.