معالجة الإضراب أولى من إهماله
سائد كراجة
دعونا نتفق أن أكثر الحكومات كفاءة أقربها لمطالب أغلبية الشعب، وإن حكومة تصدع لرأي الناس أقرب إلى العباد ورب العباد من أخرى تدير له ظهر المِجَن، فإن الموظف العام هو خادم عام حسب الدستور وحسب ما سيأتي في برنامج الإصلاح
السياسي بعد سنوات، حيث ستكون الحكومة من حزب منتخب من الشعب، ولهذا فهي حكومة الشعب التي من واجبها أن تخدم الشعب، وعليه فلا عيب ولا مثلبة في أن يلوي الشعب يد الحكومة، لأنه صاحب السلطة ومصدرها!
بالبحث والتنقيب وجدت أن الحكومة الحالية اتخذت عشرة قرارات لمعالجة الإضراب ومطالب المضربين، منها أربعة قرارات تصب مباشرة في صلب حل مشكلة النقل العام وتلبية مطالب المضربين وهي: زيادة أجور شحن الفوسفات والبوتاس
والكبريت، زيادة أجور شحن الحاويات، عكس انخفاض الأسعار العالمية على سعر النفط، تقديم دعم مالي لقطاع النقل العام، إضافة إلى ست قرارات مصاحبة للتخفيف من عبء قرارات رفع أسعار المشتقات على المواطنين وهي: تثبيت سعر
الكاز خلال فصل الشتاء بغض النظر عن سعره العالمي، استمرار دعم سلع أساسية، زيادة عدد الطلبة المستفيدين من صندوق دعم الطالب الفقير، صرف معونة الشتاء للأسر المنتفعة من برامج المعونات الشهرية المتكررة، صرف دعم
المحروقات للأسر الفقيرة من صندوق المعونة الوطنية، تأجيل الأقساط البنكية المستحقة لهذا الشهر.
قد يكون تقصيرا مني، لكني لم أسمع في المؤتمر الصحفي الحكومي عن هذه القرارات ولا أسمع عنها في محطة المملكة ولا في منصات التواصل الاجتماعي، فهل هي استراتيجية حكومية مضمرة في عدم الإعلان والإعلام عن قراراتها في مرحلة
الأزمة! حتى كأنه يبدو لي أن كلفة هذه القرارات على الموازنة أكبر من كلفة تخفيض سعر المحروقات، إلا إذا كان هدف الحكومة عدم الخضوع لحرفية طلب المضربين لأهداف سياسية، وإذا كان الأمر كذلك فقد كان على الحكومة أن تشرح للناس
والبرلمان والقوى الشعبية وشيوخ العشائر قرارتها تلك ومسبباتها حتى يتوازن المشهد الإعلامي ويتسنى للناس الحكم على الأمور بموضوعية!
وزير الداخلية في ذات المؤتمر الصحفي قال كلاما مهما وبين للناس أن الحكومة ترغب وتريد وتأمل في أن تلغي الزيادة على المحروقات وخاصة الديزل الذي بلغت الزيادة عليه ما نسبته 45 ٪ خلال 2021 – 2022 ولكنها إن فعلت ستأتي
للمواطنين بأخبار سيئة بعد ستة أشهر، وترجمة كلامه أنها لن تستطيع دفع الرواتب وإدامة المرافق العامة إن هي فعلت ذلك! وعلى صعوبة الكلام وما قد يكون فيه من أخذ ورد فقد كان له وقع موضوعي وعقلاني للتفكير في الأزمة، وهذا دليل آخر
على أن دوام التواصل مع المواطنين في جميع التفاصيل والمعلومات بشفافية مطلقة عامل أساسي من عوامل ضبط السلام المجتمعي وهو مسألة جوهرية وأساسية في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي نمر بها!
على صعيد المشكلة ذاتها فإن قطاع الطاقة قطاع حيوي ومؤثر في جميع القطاعات الأخرى، لكن التفكير فيه ما زال مكبلا لاحتكارات وأسقف سعرية وأعراف قطاعية لم تعد تخدم الدولة ولا ميزانيتها، فنحن بحاجة إلى مراجعة دور المصفاة
وشركات التوزيع وسياسة الأسقف السعرية الثابتة، الواقع والتاريخ يثبت أن الأزمات على إشكاليتها تمثل فرصًا لإعادة النظر العميق والجوهري في إدارة الدولة والمرافق العامة وهيكلتها بحكمة وروية وفكر شامل بما يتفق مع مصلحة الموازنة
والمواطن، وهذا يحتاج شجاعة المواجهة والمكاشفة وطلب رأي الخبراء أينما كانوا ومهما كانت أفكارهم ومذاهبهم.
دفع الأردنيون ثمنا باهظا لهذا الإضراب، كوكبة من رجال الأمن العام، وهو ثمن أدمى قلوب المضربين والمواطنين عامة، فليس منا من يطلق النار على رجل أمن وليس منا من يرفع السلاح في وجه الجيش أو الأمن العام، وقد أعاد هذا الحادث
الأليم إلى ذاكرتنا الحديث عن خلايا تكفيرية نائمة، تكفر بالوطن والدستور، خلايا لفكر سمحنا له أن ينتشر بشكل ناعم هنا وهناك، حتى تركناه يتخلل بعض الممارسات الحزبية على الأرض وهذا لا يُحارب بصدور رجال الأمن العام والجيش فقط
والذين ندين لهم ويطوقون أعناقنا بتضحياتهم، بل يحارب أيضا بقرار شجاع من الدولة والحكومات بإعادة هيكلة التعليم المدرسي والجامعي ومؤسسات الإعلام والإعلان في ثورة بيضاء لتطبيق سيادة القانون والدستور والحرية الشخصية للمواطنين
مهما اختلفت أديانهم أو معتقداتهم أو آراؤهم، أصحاب الفكر الوهابي هجروه فماذا تنتظر جنابك!