من هم خصوم بشر الخصاونة؟

علي عبيدات

الناس لا تبحثُ عن أي تحليل علمي للأزمة، يعيشُ بلدي ظرفًا متوقعًا طبيعيًا يمكنُ تلخيصه بـ "لقد فقدت الدولة الاتصال بالشعب"، أعرفُ جيدًا الفرق بين الدولة والحكومة، تلك أبجديات يعرفها أي سائق في مؤسسة صحفية ولا تحتاج صحفيًا ليفهم سبب إغلاق الطريق في محافظة معان، معان يعني أول سياج للدولة الأردنية الحديثة، سياج رصفه الجد الثالث لشاب يشُعل نار الاضراب الآن في منتصف معان، الناس أيضًا لا تحتاج أي لغةٍ إنشائيةٍ، أنا مثلًا، رأسي برأس أي معاني كتب عن معان مثلي. القصة ليست كتابة فصالح القلاب وأحمد سلامة وخالد الكركي على قيد الحياة ولم يمض زمن على وفاة عدنان أبو عودة. اللغةُ الآن مجرد قلّة حيا. 

الناس لا تبحثُ عن المراثي ووصف الشهيد الدلابيح واليُتم والبكاء، هذا شهيد من عصب الأردن، يعني إذا أردتَ أن تفهم المجتمع الأردني اختر أي بيتٍ من بيوت بني حسن وطبق عليه معايير الأردنة، ستكتفي ثم تفهم الأردن كلها، كيف تنتجُ، كيف تحزن، كيف تفرح، كيف تشمُّخ. وإذا أردتَ معرفة أسباب فقدان الاتصال بين الدولة والشعب اسمع جيدًا كلام رجل من العيطان كان في بيت العزاء وتحدث باسم بني الأردن (بني حسن)، كان هذا الرجل فوق صقلاوية وهو ينطق بكلام الذهب. 

كيف تفقد الاتصال؟ أقصد إذا كان في دولتي مسؤول إعلامي واحد يفهم أركان عملية الاتصال سيقول لك "مُرسِل ومُستقبِل"، الدولة ترُسل لنفسها منذ عهد عمر الرزاز، هذا العُمر الخطأ الذي حول منصب رئيس الوزراء إلى مُشرف خط إنتاج في مصنع حين يستقيلُ منه العتال يقول:" غااااد"، ثم جاء عهد بشر الخصاونة الذي كان يرسلُ أيضًا وليس عنده أي وسيلة استقبال، وارتجل نظريةً جديدةً في علم الاتصال اسمها "لا تستخدم رسالة" حتى لنفسه لم يرسل رسالةً واحدة واكتفى بالارسال الفراغي. في خضم هذا كله تحوّل الأردني من مواطن يستخدم كل وسائل التقنية للاتصال (المبرمج الأردني ضمن تصنيفات عالمية فاخرة) إلى إنسان يستخدم أقدم وسيلة اتصال في التاريخ "النار". 

الناس لا تبحثُ عن أي ضرر للأردن، مجنون وعدو من يؤذي نفسه، الناس تبحثُ عن تواصل سليم. أتمنى على دولة بشر الخصاونة أن يخبرني من يشاور؟ من ينقل له صدى القرارات؟ من يشرح له خصوصية القطاعات في الحقائب الوزارية؟ من خصمه؟ لم يقرأ كتابًا في حياته من يظن أن رئيس الوزراء في أي دولة ليس له خصوم، قل لنا من خصمك يا رجل! من يحاول عرقلة عملك؟ من المسؤول عن أنك تُرسل الفراغ منذ شهور وفقدت حاسة وخاصية الاستقبال؟ من أخبرك أن البترول خط أحمر؟ ما لون الدم إذن؟!!

الناس لا تبحثُ عن أي سيناريو يؤذي الدولة لأنهم الدولة، بأي عينٍ سنواجه الجد الثالث للروسان والعبيدات والطراونة والمجالية والحمايدة والعدوان وعباد والحويطات والصخور والحتاترة والعزيزات وقد أحرقنا مدرسةً بنوها هم بتبرعات أهلية قبل قرن ونصف؟ أين سنذهب بأثر حوافر الخيل ونحن نستقبل الملك المؤسس بابتهاج أمةٍ تؤسس دولة. لا يوجد أردني على الأرض الأردنية يخدش المملكة الأردنية الهاشمية إلا رجلًا مثلك، أتحدث عن بشر الخصاونة ولا يهز شعرة بين أصابعي. هل تعرف معنى أن تُمنع من حضور بيت عزاء في الأردن وأنت وزير الدفاع؟ إنكَ أقلُّ ممّا ينبغي.

الناس لا تبحثُ عن أي خُطبٍ نارية أو حتى مائية، ثمة رجل سبعيني من جبور بِنِي صخر قال كلامًا يكفينا قرنًا كاملًا من الخَطابة. كل ما نريده "حُسنُ التواصل" وهذا رديف لحسن الجوار" والأحسن منه أخلاق بني الحُسن كلّه وهم يقدمون درسًا وطنيًا يعيد لك هيبة الرجال في الستينيات، أولئك الذين كنتَ تحتار حين تراهم وتقول" مين فيهم رئيس الوزراء؟" اليوم تعرفُ الريّس من غيابه. إنها سوءة كبيرة ولو كان بيدي لجمعت كل مؤرخ مُعاصر وقدمت له رشوة ليحذف العامين الأخيرين، على الأقل ليقول عني حفيدي "عاش في زمن الهيبة المؤسسية". 

عُد للتواصل الذي يحفظ هيبة المُرسل ويحترم المُستقبل ويصون كرامة الرسالة.