الوطن حاضر بقوة

بقلم: أحمد أبو خليل

 

رغم القلق والتوتر، اسمحوا لي الآن بالذات، أن أحتفي بالأردنيين، الشعب الذي انتمي إليه.

منذ أيام ينتابني شعور طاغ، بأن الشعب الأردني يستعيد روحه، وبأنه لم يتخل عن جوهر علاقاته الأولى التي لا تزال تحضر وخاصة في الأزمات، وهي العلاقات التي صنعت وحمت البلد، وحالت دون ان تفتك به مقتضيات التحديث الكاذب.

مساء أمس مع خبر استشهاد العقيد عبدالرزاق الدلابيح، أصبت كغيري بقلق، ولكنه لم يطل كثيرا. فبعدما شهدناه وسمعناه من مواقف في أوساط عشائر بني حسن، أهل الشهيد، رغم الحزن العام، وما سمعناه في معان أيضاً، (وهم بعد أهل الشهيد، المتضرر الأكبر من الحادثة)، تأكد لي ان الأردنيين لم يغادروا روحهم، حتى في هذه اللحظة القاسية.

دعكم من كل كلام الهوامش، فقد كان الوطن حاضرا بقوة، مثلما كانت العلاقات المهذبة بين مكونات الشعب حاضرة أيضاً. كان الأردنيون في معان والجنوب ككل، وعند بني حسن، غاضبين، ولكنه غضب رجال، والرجال يعرفون في أي اتجاه عليهم أن يوجهوا غضبهم. كان الأردنيون يوم أمس في حالة سامية من الذكاء الجماعي والاجتماعي/ السياسي.

لطالما نظرت مليا في وجوه الأردنيين في اماكن كثيرة، وخاصة وجوه الفقراء وفي الأوساط الشعبية، جنوبا وشمالا، شرقا وغربا، وفي مناسبات كثيرة مفرحة أو محزنة، وتمعنت في انفعالاتها المختلفة، وكدت أحيانا ألمس تلك الانفعالات بيدي. وفي كل مرة كانت قناعتي تزداد بأن الأردنيين شعب مهذب. والتهذيب عندهم لا يرتبط بمظهر او هيئة وشكل خارجي، ولا يرتبط بمال أو بثروات، ولا بقصور أو بنايات فارهة كبيرة، بقدر ما يرتبط بمنظومة من القيم، يضعونها في المرتبة الأولى في تشكيل حياتهم وفي تصوراتهم لعيشهم وللكون والعالم المحيط حولهم.

بدأ الاحتجاج بعنوان تخفيض سعر الديزل، وبعد رد الفعل الرسمي الذي حاول المقايضة واستنهاض روح الفردية والأنانية، من خلال عرض زيادة اجور الشاحنات، فرفض المحتجون ذلك، وقالوا إن هذا يحيل العبء على إخوتهم المواطنين، وحينها رفعوا عنوان "الكرامة"، وهنا يكمن سر الاستقطاب الشعبي، أي "الفزعة" التي يمارسها الأردنيون كفعل تعاضد وتماسك محدد الهدف في العادة، مرتكز إلى ما يتمتعون به من حياء عام تجاه بعضهم.

مهما كانت مآلات ما يجري، تعالوا نضع جانبا كلام النخب الرسمية والأهلية، ولا بأس من تركهم يستمتعون بلقب نخبة، ولنتركهم يمارسون مهارة انتقاء المشاهد هنا وهناك، وينتقدون أشكال التعبير الشعبية، لكي يبرروا ترفعهم وتعاليهم وأستذتهم على المجتمع والناس، ولننتبه إلى أن جوهر موقف الأردنيين يقع في مكان آخر.