إضراب الشاحنات وتنامي كرة اللهب
بلال العقايلة
في ظل تنامي السخط الشعبي وتدحرج كرة اللهب لتشمل مناطق واسعة في المملكة تخرج تطمينات من مسؤولين هنا وهناك، بعدم تأثر حركة نقل البضائع بهذه الاضرابات والاحتجاجات وأخرى تبشّر بمخزون استراتيجي من السلع بما يكفي لسد حاجة السوق.
لم يعلم هؤلاء وغيرهم من المسؤولين المغيبين عن الواقع أن القضية باتت الآن أكبر من تقديراتهم ومن حلولهم العاجزة والقاصرة، وأن اضراب الشاحنات ووسائل النقل الأخرى ومعها التكاسي الصفراء هي صرخة مدوية ضد الظلم والفساد والإهمال وفقدان التحسس بالمواطنة.
ولم يعلم هؤلاء أيضا بأن هذا الاضراب إن كان في معان أو الكرك أو البادية الجنوبية وانتقاله للمفرق والرمثا والباديتين الوسطى والشمالية ومحافظات الشمال الأخرى، هي حالة من العصيان تجاوزت الحكومة والمسؤولين فيها.
الوطن اليوم يعيش أزمة حقيقية أشعلتها قشة المحروقات، مهما حاول البعض التصغير من شأنها، سيما وأن إضراب السواقين ليس كغيره من الاضرابات، إذ بهذه الخطوة وهذا الخيار القاسي، يتوقف رزقهم ورزق أسرهم وأطفالهم ما يعني تفشي حالة الجوع وشيوع البؤس في المجتمع وتململه وربما تحركه في اتجاهات لا أحد يقوى على توجيه بوصلتها مستقبلا.. حينها ستتعالى صرخات التمرد المشروعة.. الجوع مقابل الكرامة، وتتعاظم كرة اللهب والخاسر الأوحد في المشهد كله هو الوطن.
وما يحز في النفس اليوم هو أن ذلك النفر من الدخلاء الذي أجهزوا على مقدرات الدولة واستأثروا لأنفسهم ومحاسيبهم بعقود البزنس فيها، يجلس اليوم في برجه العاجي، وربما ينظر بارتياح إلى ما وصلت إليه بلادنا من أزمات حقيقية كانوا سببا رئيسا في إشعالها بالتراكم فتمتعوا بخيراتها وربما بعضهم غادرها اليوم، لكنه أبقى النار تحت الرماد.
وأخيرا فإن الحلول تكمن في الاستماع لهؤلاء الناس، وتتنيذ مطالبهم المحقة، وليس استفزازهم بالحلول البديلة، التي لم تزد شرارة الأزمة إلا وقودا وتوسعا وامتدادا ولا أحد يتنبأ النهايات.
هذه الأزمة التي باتت تتنامى خطورتها وغيرها من الأزمات، باتت تدق ناقوس الخطر، وتقرع أجراس التحذير والنذير، بأن مشكلتنا اليوم هي في نهج إدارة الدولة وسوء استخدام الموارد، وتفشي حالة الفساد، وتحسس موضع الألم بعيدا جوهر المواجع الحقيقيقة والجميع يقر بذلك لكن لا أحد يرعوي لمغادرة نهج النعامة ويخلع نظارته السوداء، ويؤشر لموطن الخراب الحقيقي قبل أن يتسع الخرق على الراتق حينها لا يجدي الفهم المتأخر ولا تنفع معها الحسرات ولا دموع الندم. ولا حول ولا قوة إلا بالله.