أحمد سلامة أبوهلالة
التفاح لم يتغير يا سيدي ، نحن الذين تغيرنا وغيرنا طعم التفاح ، التفاح يفوح بنكهته حين كان جدي يرويه من عرق الجبين ، ويرفع الأكف طلبا للرزق الحلال ، يدعو ويستغفر ، فتنزل السماء مدرارا ، ويسقي التفاح ماء طهورا .
غيرنا نكهة التفاح ، حين تغيرنا وعبثت أيدينا بتلقيح عروق التفاح بسموم الكيماوي ، وسقينا التفاح بالماء العادم ، نتسابق على المال بأي حال ..!
وتسألني لماذا تغير طعم التفاح ..!
كان لون شعاع الشمس على تفاحنا أبهى ، وضوء القمر في راحنا أزهى ، وقطرات الماء في أفواهنا أعذب ، حتى نسمات المساء على جباهنا تطرب ..!
وتسألني لماذا تغير طعم التفاح ..!
كان رجال الحي يتصافحون بقلوبهم ، يسارعون للتكافل ، فلا يعرف منهم الفقير أو اليتيم ، يتسابقون على الزواج من أرملة أو مطلقة مرفوعة الرأس لا يلصقون بها وصمة عار ، حين عاندتها الأقدار ، نساء الحي تفرح من القلب لعروس وتبتهج لمولود جديد ، وبطيبة ربة البيت تمد يدها للزبال بحبة تفاح .
وتسألني لماذا تغير طعم التفاح ..!
نجتمع اليوم على وجبة دسمة من لحوم بعضنا ونختم كلامنا اللهم أدمها نعمة ولا تحسبها علينا غيبة ..!
وتسألني لماذا تغير طعم التفاح ..!
ذابت الطبقة الوسطى بين غني ماؤه عصير التفاح وفقير لم ير اصلا التفاح ..!
وتسألني لماذا تغير طعم التفاح ..!
نزعنا الحب وزرعنا الكراهية فتغلغل الحقد في قلوبنا بعد أن كان العربي يحب كل اخوانه العرب وتمثلت في عقولنا وطنيات ضيقة
بلدي ..
مدينتي ..
قريتي ..
إخوتي ..
نفسي
فقتلتنا الردة
حمل الواحد منا
في الداخل ضده
هذا ابن قبيلتي ، وذلك من مذهبي ،تبارى الجهل والتخلف في ساح فكرنا ، صار همنا إثبات أن الآخرين في النار ، لا أن نجتهد لدخول الجنة ..!
وتسألني لماذا تغير طعم التفاح ..!
تغير يا سيدي لأنا استعذبنا الربا والزنى وسرقنا ما هو أخطر من السرقة ، فليس بالضرورة أن تكون السرقة عينية :
فالطبيب الذي تتعالى ضحكاته مع صديقه وفي الغرفة المجاورة مريض يئن ويصيح .. سارق
والموظف الذي يطيل الوضوء والصلاة وطابور المراجعين ينتظر .. سارق
والمعلم الذي يخرج قبل وقته عن طلابه .. سارق
والعامل الذي يتظاهر بالمرض ليأخذ إجازة .. سارق
وكل من يسعى للرزق بزيف وخداع .. سارق
وتسألني لماذا تغير طعم التفاح ..!؟
سيعود طعم التفاح
ويشرق الصباح
يا سيدي
حين ندرك أنا
"خير أمة أخرجت للناس"
سيعود سيعود
سيعود طعم التفاح .