"رسالة عاجلة من الملك ميشع المؤابي إلى الملك عبدالله الهاشمي: مشروعك النهضوي حماية وبقاءا لعرشك ومملكتك"
كتب أ.د. محمد الفرجات
تاليا رسالة ينقلها التاريخ غير المكتوب ولا المروي، من ملك عظيم إلى ملك عظيم... إطارها القوة ومضمونها الحث على الثورة البيضاء نحو النهضة المنشودة...
نعم يا جلالة الملك، فلقد شاء وكتب الله تعالى لنا أن نحكم هذه الأرض في زمنين مختلفين، ولنا الشرف أن تكون هذه البلاد ممر قوافل أجدادك قريش إلى الشام، والتي أطعمها الله تعالى من جوع وآمنها من خوف، وقد سطر ذلك في كتابه العزيز بسورة الإيلاف، وتشرف ركبها بحمل جدك نبي الأمة محمد عليه السلام في إحدى رحلاتها.
هذه الأرض يا جلالة الملك الهاشمي التي بوركت بوقوعها حول المسجد الأقصى مسرى محمد عليه السلام ومعراجه إلى السماء.
الأرض التي عمد في نهرها الخالد السيد المسيح عليه السلام.
الأرض التي إنطلقت منها جيوش الفتح الإسلامي لتعم رسالة السلام للعالم.
الأرض التي أطعمت كل حضاراتها التي سكنتها منذ فجر التاريخ والبشرية، ومارس الإنسان فيها الزراعة والصيد والصناعة والتجارة، وقدمت الموارد والطاقة وعناصر قيام الحضارات، وشيدت وعمرت فيها القرى والمدن والقلاع والقصور والممالك، وترك فيها إرثا وتراثا وأثرا وفيرا من العلوم والأدب والثقافة والتاريخ.
إنها أرض ترابها معطاء لم تبخل يوما على إنسانها يا جلالة الملك، لا بل وزادت عن ذلك في إطعام الشعوب التي حولها من حبوبها ومنتجاتها مما تجود به، من عنب وتين وزيتون وزيت ورمان، وكانت أعشابها العلاج لسائر الأمراض.
إنهم اليوم يا جلالة الملك يزاحمون للنيل من صمود هذه الأرض وإنسانها، وتتكالب حولها حركات بسط النفوذ السياسي والمد الجغرافي بلا هوادة ولا رحمة، غارسة آلة الحرب في جسد الشعوب، تيتم وترمل وتفرق وتسفك الدماء.
ونسجل لك يا جلالة الملك الهاشمي أنك كنت الرقم الأصعب، وما إستطاعوا النفاذ لأرضك، ولا إقحام بلادك وشعبك حروبا غير عادلة تأكل الأخضر واليابس بمجرد الإنخراط بها.
كما ويسجل لك أيها الملك أن صمودك مستمر في عطاء مؤسسات دولتك من أمن وتعليم ورعاية صحية وتوفير قوت وغذاء شعبك، وعلى الرغم من الحصار الذي طوق مملكتك في بلاد أرهقتها الحروب والإرهاب والفتن.
أما وقد إخترت الإعتماد على الذات والإنتاج والإكتفاء الذاتي لتبقى وتستمر مملكتك ويدوم عرشك أيها الملك، فإنه الخيار الصحيح في الوقت الصحيح.
فلقد بلغت مملكة مؤاب الأردنية مجدها وعظمتها وعطاءها بعد الحرب عندما كانت النهضة خيارنا من أجل البقاء، فكان الأمن المائي والغذائي عنصرا الإستدامة لتنمية الزراعة والصناعة والتجارة والإعمار، وكانت التعبئة الشعبية وخطاب الملك محرك ووقود ثورة النهضة، وسبيل ترسيخها بالبناء الفكري في وجدان وضمير أبناء شعب مملكة مؤاب.
لقد وثقنا للتاريخ نقشا بنص كتابي، يدعى حجر ميشع، تركناه لكم يا جلالة الملك ولكل شعوب هذه الأرض العظيمة، ولك أن تستند إليه لمعايرة طرحك ونموذجك النهضوي.
إن مشروعك النهضوي المنتظر يا جلالة الملك ليس كما تتفهمه الدوائر الضيقة، ولا المؤسسات الهشة، إنه مشروع عز ومجد وعظمة وبقاء، في زمن البقاء فيه لمن يتطور وينافس ويعتمد على ذاته.
أنت اليوم مدعو يا جلالة الملك، وكل مؤسسات دولتكم وقطاعاتها لإطلاق المشروع النهضوي، وعليكم رسم خارطة الطريق التي تجمعكم وتوحد السير والمسيرة نحو هدف سامي، إطاره قوة ومجد المملكة الأردنية الهاشمية، ومضمونه شعب وقطاعات ومؤسسات تضع الأهداف وسبل تحقيقها.
مملكة تضمن أمنها المائي، مملكة تضمن أمن الطاقة لمواطنيها، مملكة تنتج غذاءها بنفسها، وتصنع سلعها في معاملها ومصانعها.
مملكة توفر رفاه مواطنها، وفرص العمل له، وتحسن دخله، ويتنعم فيها ببنى تحتية وخدمات شاملة وعصرية، وشعارها العدل والعمل والعطاء.
فالشعب أثقل على كاهله الوضع الإقتصادي، بالفقر والجوع والبطالة والسطو والعنف والمخدرات وتطور الجريمة، مقابل فوات فرص الزواج على بناته وإرتفاع نسب الطلاق، مما يمس الأمن الوطني والقومي على حد سواء، وينخر بجسد الدولة، ويفتح الباب للمنابر الخارجية والتيارات المدفوعة للنيل من الحالة النفسية للشعب.
إن مشروعك النهضوي يا جلالة الملك الذي حمله عدد من أبناء شعبك إلى ديوانك العامر قد أضحى بين آلاف الأوراق التي تدرس في الدائرة الإقتصادية، ظنا من كبار مكتبك ومستشاريك بأنه إستدعاء تقدم به طالبو دعم أو منحة... هداهم الله.
إن مسألة البقاء اليوم يا جلالة الملك للمملكة والعرش رهنا بتنفيذ خلاصة فكرك الذي توج بالمشروع النهضوي من عشرين عام من الحكم، ولعشرين عام قادمة في "رؤية الأردن 2040".
*هذه المقالة نشرها الدكتور محمد الفرجات في مثل هذا اليوم من عام 2019