ما يزال العراق يصارع ذاته
د. منذر الحوارات
ليس من السهل تتبع المشهد العراقي فهو حافل بكل ما هو غير متوقع فالأضداد فيه تتوزع بشكل ثنائيات متصارعة وكأنه مفاعل نووي تتساكن فيه الذرات منتظرة صاعق التفجير، فالشيعي يتصارع مع الشيعي والسني كذلك ولا يبتعد الأكراد عن هذا المنطق وتتصارع فيه كل هذه الأطراف مع بعضها البعض دون هوادة، وهذا الوضع حوله من مصدر قلق لجواره يحاولون استرضاءه بشتى السبل إلى غنيمة تحاول جميع الدول استحواذها أو الحصول على نصيبها منه، وفي داخله شكل آخر من الطائفية والصراعات السياسية والحزبية فالسلطة بالنسبة لكل هؤلاء ليست حالة سياسية يتنافسون عليها لخدمة البلد بل هي حصة يحاولون اقتسامها كلٍ حسب ما لديه من قوة وقنابل ودعم خارجي لذلك فالصراع السياسي فيه صفري إما الفوز بكل شيء او خسارة كل شيء وهذا يتنافى مع منطق السياسة البرغماتي.
رغم كون البلد يتمتع بنظام ديمقراطي على المستوى النظري إلا أن الأمور فيه تسير خارج المسارات الديمقراطية ففي كل دول العالم يُعرف منذ لحظة إعلان النتائج من هو رئيس الحكومة أو الدولة إلا في العراق فليس بالضرورة ان الفائز بالصناديق هو من سيشكل الهيكل القيادي في الدولة فدون ذلك عقبات كبيرة فشرط الصناديق ليس هو المحدد الأول والأخير بل على النتائج أن تمر على ثنائيات أخرى تتألف هذه المرة من الإقليم مع الولايات المتحدة فلا بد من رضى هؤلاء حتى يتم اعتماد الرئيس وبعدها يتم العودة إلى المكونات الداخلية وفي الاختناق الأخير لم يخرج الأمر عن صراع بين رجلين المالكي والصدر وبين دولتين الولايات المتحدة وإيران صحيح أن كلا منهما منشغل باستحقاته إلا أن العراق لم يغب أبداً عن هذه الاستحقاقات وإن كانت إيران قد قدمت بعض التنازل في ملف رئيس الجمهورية إلا أنها ضمنت من جهة أخرى موقع رئاسة الحكومة وهو الأهم بالنسبة لها وما حصل يثبت أنه في لعبة عض الأصابع يفوز الأكثر صبرا والأقل انفعالا وهذا أعطى المالكي الأولوية وهو الذي استغل بدهاء أخطاء خصومه وجيرها من دون تردد لصالحه وفاز في النهاية.
ولا يبدو أن الأمور تسير نحو الاستقرار فالواقع يشير إلى أن المكونات السياسية الجديدة لا ترضي الشارع العراقي وبالتالي قد يفضي هذا الاستحقاق الدستوري إلى فوضى في الشوارع والتي عايشها العراق خلال المرحلة السابقة وهذه تنذر بعواقب وخيمة، وذلك يدل على أن العراق ما يزال أسير الأزمات فمنذ غزته الولايات المتحدة وأنهت الدولة فيه وتلتها إيران وأنهت فيه مفهوم الوطن والمواطنة وحولته إلى دول من الطوائف والاثنيات المؤلفة بدورها من أقطاب متعددة في داخلها ليس فيها من يستطيع حسم الموقف لصالحه والهيمنة على الجميع، لذلك تبدو الفوضى هي سيدة الموقف ومع ذلك ستبقى دون الحرب الأهلية على الأقل حتى الآن لأن نظام التوافق المبني على المحاصصة يجعل الأطراف تخشى كثيراً على مكاسبها لذلك سيبقى التصعيد نحو الحرب هو خيار الطرف الخاسر لكل مكاسبه وهذا ما يُخشى منه في حال تم إقصاء تيار الصدر وأعوانه بشكل كامل أو غيره من الفصائل بالذات داخل المعسكر الشيعي وهذا الواقع سيزيد من اعتماد الأطراف المتصارعة على الدعم الخارجي مما سيبقي العراق مخنوقاً في سجن صراعاته الداخلية وقيوده الخارجية وإبتزازته وهذا سيطيل انتظار العراقي على قارعة الأمل عل وعسى أن يأتي يوم تنفرج فيه الأمور ويتخلص فيه من لعبة الابتزاز الداخلية والخارجية في نفس الوقت.